طلات إعلامية فى غاية التوفيق
تابعت باهتمام عبر شاشاتنا التليفزيونية خلال الأسبوع المنقضي ظهورًا إعلاميًا لعدد من الوزراء، فيما صار نادرًا في الفترة الأخيرة، قد يُرجع البعض تراجع المسئولين عن الظهور الإعلامي لسبب وجيه هو وجود متحدثين إعلاميين تم تعيينهم في وزارات الدولة المختلفة للقيام بالمهمة، وهذا توجه محمود بالطبع من الدولة المصرية إذ اختارت أن يقوم بمهمة مخاطبة الرأي العام أشخاص مؤهلون سواء من أهل الخبرة الإعلامية الواسعة أو من الدارسين للإعلام.
لاشك أن في هذا التوجه مزايا عديدة إذ أن للوزراء مهام كثيرة وأعباء متعددة تمنعهم من التواصل الدائم مع الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة، غير أن أبرز هذه المزايا هي تفرغ المسئول للقيام بمهامه المكلف بها وقد فرض الظرف السياسي المحلي والإقليمي على المسئولين مهام عديدة وأعباء كثيرة تتطلب من المسئول أن يمتد يوم عمله لساعات طوال بصورة يومية ليجاري نشاط وحيوية القيادة السياسية.
أضف إلى ذلك أن معظم المسئولين صاروا من طبقة التكنوقراط الذين تم تكليفهم بالمهام من واقع خبراتهم الأكاديمية أو المهنية ولم يأتوا بخلفيات حزبية ولم تفرضهم أفكار أيديولوجية وبناء عليه فإن معظمهم لم يتدرب في مضمار العمل الشعبي أو الحزبي، الذي يدرب خريجيه على خبرات التعامل مع وسائل الإعلام ولم يكسبهم مهارات الخروج من شراك الصحفيين ومصائد الإعلاميين.
وفي هذا الصدد، أتذكر حوارات لعدد من دهاة السياسة والمعجونين في العمل الحزبي وكيف كانوا ينجحون في إيصال ما يرغبون في إرساله من رسائل سياسية من خلال الحوارات الصحفية والأحاديث التليفزيونية والإذاعية دون أن ينزلقوا إلى أخطاء تسبب لهم حرجًا من أي نوع أو أن تؤدي تصريحاتهم إلى أزمة سياسية سواء لهم أو للحزب الذي إليه ينتمون.
ولأن التجربة في بداياتها - لا تزال - فإن اختيارات المسئولين للمتحدثين الرسميين فيها ما حقق الغرض وفيها بالطبع عدد من الاختيارات التي لم تكن موفقة، وغالبًا ما ينتهي الأمر بإقالة أو استقالة المتحدث الإعلامي غير الموفق على إثر زلة لسان أو عثرة قلم ومن الإنصاف أن نشير إلى أن عددًا كبيرًا من المتحدثين الإعلاميين يبلون بلاءً حسنًا ويؤدون مهامهم باحترافية وكفاءة شديدين فكانوا سندًا وعضدًا يقفز بالمسئول الذي اختارهم قفزات عديدة على سلم النجاح وتحقيق المستهدف، ولست بصدد ذكر أسماء بعينها رغم معرفتي بكثير منهم حتى لا يتحول المقال من النظرة الموضوعية فيصبح أمرًا شخصيًا.
أعود للقول إن هذا النجاح لعدد من المتحدثين الإعلاميين لا ينبغي أن يمنع المسئول الأول في كل وزارة أو جهة رسمية من الظهور الإعلامي بصورة شخصية مباشرة، فالمواطن المصري بسيكولوجيته يقترب ممّن يدنو منه ويبتعد عمّن ينأى عنه.
وحين يظهر المسئول إعلاميًا فإنه يكون الأجدر والأقدر على التعبير عن الملف المكلف به وهنا يصدّق المتابع كل ما جاء في الحديث، لأنه جاء على لسان المسئول الأول عن الملف وليس مندوبًا عنه مهما بلغت درجة كفاءته وتمكنه من ملفاته.
وفي هذا الصدد تابعنا الأسبوع الماضي ظهورًا إنسانيًا متميزًا للسيدة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، وهو ظهور موفق جدًا لأسباب وجيهة أُوجزها في أنه كان مرتبطًا بمناسبة عيد الأم وهو ملف هام من ملفات الوزيرة حيث همها الأول هو الأسرة المصرية، الأمر الثاني أنها اختارت أن تكون طلّتها عبر الهيئة الوطنية للإعلام والتي تمثل إعلام الدولة الوطنية.
الاختيار أيضًا كان عبقريًا، حيث الظهور مع إعلاميين من الشباب فظل التوهج والحضور للضيفة في المقام الأول لم تخطفه نجمة من نجوم الشاشات من المذيعات الكبيرات بطلتها المحببة لدى جمهورها.
وفي المقابل فإن المحاوريْن كانا في قمة الحيوية والمهنية واستطاعا أن يأخذا الوزيرة إلى مناطق عفوية وقاداها إلى محاور غاية في الإنسانية نجحت في جذب اهتمام المتابعين وكسب احترامهم للوزيرة الإنسانة.
طلة أخرى شاهدنا خلالها وزير التموين صاحب الحنكة السياسية والأداء المتميز، ورغم أن ظهوره جاء في ظرف اقتصادي عالمي متأزم إلا أنه نجح في إظهار جهود الدولة في القيام بدورها الاجتماعي لصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة في ظل أزمة اقتصادية عالمية، وكذلك أبرز بحديثه قدرة أجهزة الدولة المعنية على توفير السلع الأساسية عبر منافذ متعددة ثابتة ومتنقلة وبكميات كبيرة تمنع على المحتكرين فرصهم في استغلال الأزمة والمتاجرة بحاجة الفقراء.
الظهور الثالث كان للسيدة وزيرة البيئة، وفيه تحدثت حديثًا إنسانيًا عن والدتها الكاتبة الصحفية الكبيرة ناهد المنشاوي، وكيف كان دورها في رعايتها وشقيقها عقب الرحيل المبكر لوالدهما وفي هذا جانب إنساني مهم يقرب المسئول من عامة الناس ويجعلهم يتعاملون معه على أنه واحد منهم فيثنون على نجاحاته ويغفرون له هناته.
ظهور أراه في غاية النجاح للوزراء الثلاث يدعونا للمطالبة بتوسيع التجربة وأن يختار المسئول الاعلامي للوزير المنصات القريبة من الناس والمعبرة عنهم، وفي هذا ينبغي أن يكون الظهور عبر الوسائط المتعددة إذاعيًا وتليفزيونيًا وصحفيًا، فلكل وسيلة جمهورها وعلى المسئول أن يذهب حيث يكون جمهوره، على أن يكون الإعلام الرسمي هو المستهدف الأول لدى المسئول فهو المنصة الوطنية، كما أنه الأقرب للناس والأكثر مصداقية لدى أغلبهم.