ما الذى يحدث فى «دار العلوم- القاهرة»؟.. القصة الكاملة لنفض غبار التطرف
كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، عانت على مدار عقود من الفكرة التي كانت قد أُخذت عنها من قبل الرأي العام كونها كلية حسن البنا وسيد قطب؛ بسبب سيطرة التيارات الدينية المتطرفة عليها، ومن ضمنها جماعة الإخوان الإرهابية وتحكمها بوعي الطلاب فيها.
اليوم، وبعد سنوات من ثورة 30 يونيو 2013، تغيرت تلك الصورة المأخوذة عن كلية دار العلوم بشكل كبير، والفضل يعود لعميدها الحالي، عبدالراضي رضوان، الذي درس الفلسفة وتأثر بها وبانفتاحه على الغرب في فترة دراسته للدكتوراه عن حوار الأديان في ألمانيا.
نفذ عبدالمحسن مشروعا يجمع بين التأسيس التراثي والتنوير العقلاني، فكانت أول خطوة في مشروعه إعداد 100 قائد من الطلاب خاصة الطالبات، ومشاركتهم في أنشطة المسرح والفنون والإعلام والانتخابات الداخلية والترويج لنزول الناس للاستفتاءات الدستورية والانتخابات العامة، حماية للطلاب من بذور الفكر المتطرف.
ما هو مثير للاهتمام أن ذلك المشروع لم يتوقف بمجىء أزمة كورونا، بل بالعكس، أطلقت الكلية- استكمالا لذلك المشروع، وضمن مفردات المقررات التدريبية في برنامج التدريب الميداني للكلية، وفي إطار سياسة الكلية في بناء الإنسان وإعداد الشباب لدعم الدولة الحديثة واستعادة الوعي الطلابي بثقافة الهوية الوطنية والانتماء الوطني- برنامج "توظيف اللغة في تعزيز الانتماء وثقافة التعايش والتسامح"، بالطبع مع مراعاة الإجراءات الاحترازية والقرارات الرئاسية لمواجهة كورونا.
يقول عميد كلية دار العلوم إن مشروع استعادة الوعي معناه وجود خلل ومرض من قبل أسهم في تزييف الوعي لدى الطلاب، عن طريق ممارسة عملية أدلجة وغسل لأدمغتهم من قبل جماعات الإسلام السياسي العابرة للأوطان والدول، لصالح خطط السيطرة والتمكين وإقامة الدولة الدينية.
وأضاف: "لذلك استضافت الكلية عددا من الرموز الفكرية والوطنية، منهم الراحل الدكتور محمود حمدي زقزوق، والدكتور سعد الدين الهلالي، واللواء فؤاد علام، والفنان الكبير محمد صبحي، بالإضافة إلى أعضاء بيت العائلة المصرية من الأزهر والكنائس؛ بهدف مناقشة الطلاب وتدريبهم على لغة الحوار بدلا من العنف وإقصاء الآخر".
كان دليل عبدالراضي على استعادة الوعي في الكلية هو أنه أعيد انتخاب أنثى كأمينة لاتحاد الطلاب، والتي فازت بكتساح، الأمر الذي حدث لأول مرة في تاريخ الجامعات المصرية، مما يعني، على حد قوله: "إن التطور والتغيير الحادث بدار العلوم تم على أرض راسخة وجذور ثابتة البنيان".
بعد تفكيك الأفكار المتشددة، أطلقت الكلية مبادرة #اعمل_بحثك_بنفسك.. اكتشف قدراتك.. حيث قال أستاذ الفلسفة بالكلية، أحمد أبوضيف، إن المبادرة تعني أن يقوم الطالب بعمل أبحاثه بنفسه والتى كلفتهم بها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى بديلًا عن امتحانات آخر العام لما تمر به البلاد من ظروف عصيبة جراء انتشار جائحة كورونا، فلا شىء أفضل لتعميق الفكر وتنمية العقل وترسيخ القيم والسمو بالروح الإنسانية وبناء الشخصية السوية من الاعتماد على النفس في التخطيط والقراءة وجمع المادة العلمية لكتابة البحوث الناجحة التي تجعل صاحبها مميزًا متميزًا بتفرده في التأليف والتصنيف، وكذلك بما سيتكون عنده من رصيد معرفي وخبرة بحثية يتمكن معها من إنجاز مخططات المشروعات البحثية عند التقدم لشغل الوظائف العلمية والثقافية، وبذلك يكون الجهد المبذول في كتابة البحث تدريبًا عمليًا لاكتساب اللغة وتعزيز القدرة وتكثيف الخبرة في المجالات العلمية والفكرية.
وعن مميزات تلك المبادرة، يقول طالب بالفرقة الثالثة، محمد أحمد: "التعايش مع الإجراءات الاحترازية ضرورة، وأفضل ما في تلك الضرورة الإبداع في التعايش معها"، ثم أردف موضحا: "إذا كان فيروس كورونا سيلزمنا بالكمون (الجلوس) في منازلنا فإن أفضل ما يمكن استحداثه لتنمية المهارات الطلابية وخلق استفادة أصيلة هو قيامنا نحن بإعداد أبحاثنا بأنفسنا.. استفدت شخصيا من تلك التجربة، وأشعر بأن المنهج الدراسي تم تحصيله وأكثر من خلال الاطلاع على كتب مختلفة وموضوعات متعددة".
الملفت للنظر أن الكلية كرّمت أول طالب قبطى يتخرج فى دار العلوم منذ تاريخها، ويحصل على دبلوم الدراسات العربية بترتيب الأول على الدفعة، وهو الطالب ماجد لويس غبريال، الذي قال عن رحلة التحاقه بالكلية كأول طالب مسيحى: "عشقى للغة العربية كان منذ طفولتى، وبرغم تخرجى فى كلية الهندسة، لكنى أصررت على تعلم المزيد عنها، وبعد فترة بحث طويلة التحقت بدورة تدريبية أعلنت عنها الكلية لتعلم مهارات اللغة العربية، وبالفعل التحقت بها لكننى لم أكتف بذلك".
وأضاف: "قررت الالتحاق بالكلية ولم أجد أية صعوبة في ذلك من خلال مركز التدريب اللغوى الذى يسمح لأى طالب بالالتحاق بالكلية دون النظر إلى ديانته أو جنسيته، ووجدت ترحيبا كبيرا من زملائى وأساتذتي الذين لم يدخروا جهدا لمعاونتى في المواد المقررة".
أما عن الصعوبات التي واجهها الطالب ماجد، فيقول هو بنفسه: "لم أجد صعوبات في تعلم القرآن الكريم، بل أجد تعاونا من قبل أساتذتى لتيسير الصعوبات التي أواجهها في أي مادة.. ويكفى أننى حققت حلمى في تعلم مهارات اللغة العربية التي تظل عشقى الأول وهوايتى المفضلة".
لم تكتفِ الكلية بكل ذلك، بل أطلقت أيضا مبادرة سمتها "إفريقيا هتتكلم عربي" للاحتفاء بالدول الإفريقية في مصر وتوثيق العلاقات الثقافية مع الدول الصديقة، وكان عميد الكلية قد أطلق تلك المبادرة- حسب قوله- لتعليم ألف إفريقي من 52 دولة إفريقية اللغة العربية.
يذكر أن مؤسس الكلية- والذي أسسها عام 1871- كان أحد رواد التنوير في مصر والمنطقة، وتخرج فى الجامعة عدد كبير من الشخصيات المهمة، وعلى رأسهم حفني ناصف، وعبدالعزيز جاويش، والشاعر علي الجارم، وزكي المهندس، وتمام حسان، وكمال بشر، والطاهر مكي، وآخرون.