ترامب والخارطة العالمية
هل عادت عقارب التاريخ للوراء مجددًا ؟
سؤال يطرح نفسه بإلحاح في أفئدة الجميعفي تلك الأيام الملتهبة على الساحة المأججة بنيران الفرقة والتشرذم المتبع عبر السياسة الأمريكية من خلال رئيسها الخامس والأربعين دونالد ترامب الذي أعادها للوراء مائة عام من أجل إستعادة الهيمنة الأمريكية بإرساء خطط أسلافه كحنين مولد لأنين الآخرين.
تلك السياسة أَعلن عنها مسبقًا، المرشح الجمهوري ميت روميني أمام باراك أوباما في إنتخابات العام 2012 حينما صرح بحملته الإنتخابية:
سوف أعيد عقارب التاريخ للوراء مجددًا بإعادة الحرب الباردة مع روسيا، لنؤكد للجميع على قدرة أمريكا بإعادة إنتصارتها في القرن الحالي.
لم يفز روميني في إنتخابات العام 2012، لإعلانه المبكر عن أوانه لهذا الصراع ليؤجل التاريخ موعده مع بطل يتناسب مع مستجدات المستقبل المنتظر المجسد الآن في شخصية الرئيس الجمهوري الحالي ذو النزعة العنصرية.
أعلن ترامب عقب فوزه بالإنتخابات الأمريكية على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بتغريدته وهو يستعد لإعتلاء المكتب البيضاوي مغردًابكلمات بينوتو موسوليني الزعيم الفاشي:
أن أعيش أسدًا ليوم واحد، أفضل من حياة النعاج لألف عام.
كشر عن أنيابه قبل الوصول للبيت الأبيض وكأنه ينذر الجميع بلغة الفتونة بأن القادم أقسى بل أسوأ مما تتوقعون في محاولة لإستعادة اللثغات الأمريكية في جسد العالم، خاصة بالعالمين العربي والأفريقي مكمن البُغض الأمريكي للأجناس التي يتوسم فيها العالم الأمل في إعادة التوازن للخارطة المتناحر عليها بين القوى الإمبريالية الغربية.
أعلن ترامب بأنه سيُعيد أفريقيا للوراء بالعودة للعبودية والتمييز العنصري لأنهم لا يستحقون إلا ذلك المصير، مع توعده للمنطقة العربية بالتشرذم المستمر الذي بدأ بإرهاصاته مع إدارة بوش الإبن الجمهوري ووزيرا خارجيته كولين باول وكوندليزا رايس، ثم التفاعلبإدارة أوباما الديمقراطي ووزيرا خارجيته هيلاري كلينتون وجون كيري.
إقتطف ترامبثمار سابقيه اليانعة بالعودة للهيمنة على العالم بالفلسفة الفاشية وبوضع ختمه النهائي على أن الجنس الأمريكي هو الأبقى والأفضل في العالم بإختلاق النزاعات المسلحة كي لا ينهض العالم من غفوته.
وضحت لنا سياسة ترامب في منطقتنا العربية على وجه التحديد بسوريا التي دخلها بوسائل خفية عكس ما أعلن عنه بعدم تدخله في شئونها تجنبًا للصدام مع روسيا التي عادت مجددًا للساحة السياسية بحرب باردة جديدة برداء القرن الحالي.
منذ أيام وقف ترامب في البيت الأبيض في مؤتمر صحفي، ممسكًا بالخارطة السورية شارحًا خطوات هزيمة داعش ذلك الكيان الكرتوني كأفلام الكارتون القديمة حيث الوهم والتخدير باسم محاربة الشر.
تلك اللقطة الإستفهامية ما هي إلا بروفة أولية للإعلان الرسمي المنتظر ظهوره في الوقت السانح للحظات الوهن العربي بتقسيم الكيان السوري لدويلات على أسس عرقية وطائفية حتى لانُ فاجأب مالا يحمد عقباه في ظل التنويم المغناطيسي المستمرفي زحام العراك الوهمي على الأفضلية لمن؟!
أستغل ترامب مدخلات سابقيه ليجسدها في مخرجات ملموسة عقب أوامر تشغيل الإدارتين السابقتين له، ليعيد للأذهان صورتي هتلر وموسوليني في الإبقاء على جنس مُفرد دون الأجناس الأخرى ولكن بسياسة مختلفة بإبادة العناصر الأخرى لبعضها البعض على قواعد صمويل هنتنجتونالمعروفة باسم (صراع الحضارات)المؤسسة على أسس عرقية وطائفية.
ما يجعلني أستنبط تلك اللحظة المخيفة هو إعلانه لتبعية الجولان لإسرائيل منذ يومين على مسمع ومرأى الجميع كخطة مفتاحية لتكملة التقسيم السوري للإعلان عن تفتتها على هيئة دويلات مع إحتمالية وجود فيالق يهودية وسط الزحام بين أطراف الصراع كتكرار لخداع الثورة العربية الكبرى في الأردن في العام 1916 وقت إبرام إتفاقية سايكس بيكو التي مهدت لوعد بلفور في العام 1917 ولاحتلال الشام الذي تم عبر مؤتمر سان ريمو الذي أعلن الإنتداب الفرنسي عليه في العام 1920.
يعيد ترامب الكَرة مجددًابتدعيم الإلتهابات في السودان محاولًا فتح الجراح بدارفور لمنع التفكير في إعادة اللُحمة للجسد السوداني الذي تفكك في العام 2011 بإنفصال الجنوب عن الشمال بدعم صهيوني وماسوني.
تنتقل البوصلة في نفس التوقيت بالجزائر ثاني أقوى جيش عربي، بإدخاله طرفًا في صراع السلطة مع الأطراف المتناحرة لينهك قوة الجيش الذي ولد عملاقًا مع حرب التحرير في العام 1954.
هكذا يدير ترامب خارطة العالم كي تبقى أمريكا ولا مجد إلا لها ولا بقاء إلا لجنسها ما دامت الأجناس الأخرى ملهية في تناحراتها الداخلية لغياب الوعي الوطني في ظل الأسر تحت الحاضنة الأمريكية صمام فلسفة العولمة ونظرية هنتنجتون المؤسسة لإبقائها على جثث الآخرين.