تحيا الهندرة وتسقط الهنكرة
تعد الهندرة مصطلح من أدبيات الإدارة، يتم تداوله عالميا منذ أكثر من ربع قرن، فمفهوم الهندرة يعني إعادة هندسة المنظمة، وكلمة الهندرة هي لفظ مركب من الحروف الثلاث الأولى من كلمة هندسة والحرفان الأخيران من كلمة إدارة.
إن أسلوب الهندرة يعد ملحا في حالة الحاجة إلى تغييرات جذرية في مستويات وأساليب الأداء للمؤسسات أو المنظمات المتهالكة تمامًا، والتي ينطبق عليها قول اتسع الفتق على الرتق، وذلك لاستبدال القديم بها من جذوره، بغرض تحقيق طفرات فائقة وهائلة في معدلات الأداء، وليس مجرد تحسينات أو مسكنات أو منشطات، أما المؤسسات القائمة بتأدية دورها بجودة اقل من المطلوب أو بتكلفة اعلي من المطلوب فلا تحتاج أكثر من عملية ضبط بسيط لأوتار العمل بإجراء بعض التحسينات البسيطة فحسب.
اما الهنكرة فهي مصطلح من الأدبيات العامية، يتم تداوله شعبيا منذ عدة سنوات بل عدة قرون، فمفهوم الهنكرة يعني الضحك على الزبون واعطاؤه مظهر جزاب وجوهر سيء للسلعة أو الخدمة المقدمة له وتأجيل الحلول الجذرية المتعلقة بجوهر المنتج وترحيل المشكلة جيل بعد جيل حتى تتحول المشكلة إلى كارثه.
فهل آن الأوان لنا أن نثمن ونحيي كل من يعيد هندسة المؤسسات المهترئة ونساهم ببعض ما نستطيع حتى ولو بالصبر وهذا أضعف الإيمان، فلقد شبعنا هنكرة وضحك على الذقون وشبعنا مراهم ومسكنات لمشاكلنا الإدارية والإنتاجية، فأهلا بكل جراحة تخلصنا من امراضنا المزمنة، فوجع ساعة ولا كل ساعة، فعلى سبيل المثال ما نراه من القضاء على العشوائيات يسمى هندرة، أما ما كان يتم فى الماضى من إمداد تلك العشوائيات ببعض المرافق التى لا يراعى فيها أدنى قواعد الأمن والسلامة الانسانية يسمى هنكرة، وهي التي أدت بنا إلى ما نحن فيه من مشاكل مركبة، تستعصى على عملية الضبط البسيط لأوتار العمل بإجراء بعض التحسينات البسيطة فحسب، ويتكرر هذا المثال في عدة مرافق ومؤسسات في أمس الحاجة للهندرة وليس الهنكرة، كمرفق السكة الحديد، ومرق المواصلات عموما وكذلك المؤسسات التعليمية والصحية، والتى اهلكتها الهنكرة على مدار عقود معاقبة ماضية.
أن الأساليب الإدارية تبدأ باكتشاف أكاديمي ثم تصاغ في صورة تقنية،، ويتم بعد ذلك الترويج لها كوسيلة لزيادة الإنتاجية وخفض التكلفة وعلاج شامل لكل العلل والمشكلات الإدارية.
وهندرة المؤسسات المتهالكة ليس بالشئ الهين لذا يحتاج إلى إعلام المستفيد من هذه المؤسسات وكذلك القائمين بالعمل فيها مدى صعوبة تحويل الفكرة النظرية إلى ممارسة عملية وذلك للأسباب التالية:
1- التجاهل لسنوات بل لعقود للتطوير الحتمي لديناميكية الحياة والثقافة التنظيمية التي جعلت منظمة ما، تؤدي شيئًا ما بطريقة معينة، وليس من الأمر السهل التخلص من مثل هذه الثقافة التنظيمية المتراكمة السابقة.
2- التخوف الغير مبرر من إعادة الهندسة وخاصة من الموظفين فى تلك المؤسسات وقد يرجع ذلك إلى قصور في التثقيف والتدريب، وقد يرجع لنشر شائعات كاذبة بين الموظفين أن إعادة هندسة المؤسسات غير إنسانية في توجهاتها، فقد يتعرض الموظفين لمعاملة بصورة بالغة السوء باسم إعادة الهندسة.
فإن الشائعات الخاطئة والتطبيق الخاطئ لمفهوم إعادة الهندسة يرى المنظمة كآلة أكثر من رؤيتها كمصفوفة إنسانية،كما يرى الجانب الإنساني على أنه أكبر عقبة في طريقها.
3- قد تصبح الهندرة في مفهوم البعض انها غطاء مرادفًا للفصل من العمل، وخفض حجم المنظمة.
4- فشل إعادة الهندسة على التأثير في مستوى الإدارة العليا، لأنهم غير مستعدين لتطبيقها على أنفسهم، فالإدارة العليا تباشر إعادة الهندسة بشغف وحماسة بشرط إفلاتهم أنفسهم من ذلك التغيير، وإذا تركت وظائفهم وأساليبهم الإدارية اعلى حالها ستقوض دعائم هيكل منشآتهم المعاد بناؤها ذاته في نهاية المطاف.