شوقى علام: ليس هناك صراع بين المؤسسات الدينية.. ونحتاج «فتاوى عصرية» - حوار
- مفتى الجمهورية قال إن أصحاب الفكر المتشدد يضيّقون على الناس دينهم حتى يسهل عليهم تبديعهم وصولًا لتكفيرهم
كشف الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، عن أن المؤتمر الرابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، الذى ينطلق بعد أيام تحت عنون «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق»، سيشهد إطلاق مبادرة لتأسيس ميثاق عالمى للفتوى للقضاء على فوضى الفتاوى التى يشهدها العالم الإسلامى فى السنوات الأخيرة.
وقال «علام»، فى حواره مع «الدستور»، إن الأمانة تعد حاليًا برنامجًا تدريبيًا من ٣ مستويات لإعادة تأهيل ورفع كفاءة المتصدرين للفتوى فى مصر، مشيرًا إلى أن المؤتمر سيشهد أيضًا ورش عمل لصياغة مناهج دراسية مبسطة وواضحة للمفتين من أجل دعم أسس الحوار بينهم، فى شتى أنحاء العالم الإسلامى.
■ بداية.. ماذا عن مؤتمر «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق» الذى تنظمه الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم منتصف الشهر الجارى؟
- دار الإفتاء المصرية تهدف من هذا المؤتمر، الذى ننظمه للعام الرابع على التوالى بحضور ٦٠ مفتيًا من مختلف دول العالم العربى والإسلامى، إلى اتخاذ إجراءات وتدابير من شأنها المساهمة فى إيجاد خطاب دينى وإفتائى على وعى بقضايا المجتمع، خاصة قضايا التنمية، وتحفيز المجتمع بسائر فئاته على العمل، والإنتاج، والسلوك الإيجابى.
كما تهدف أيضًا للتركيز على واقع الجاليات المسلمة الذى يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، فضلًا عن وضع ضوابط الإفتاء فى عدة قضايا معاصرة، على رأسها قضايا حقوق الإنسان، والمستجدات فى المسائل الطبية، والاقتصاد، والشئون العامة.
■ ما معايير اختيار الحضور فى المؤتمر؟
- منذ أن أطلقنا فكرة المؤتمر بدأت كل إدارات دار الإفتاء وأمانتها العامة فى العمل على قدم وساق للخروج به فى أبهى صوره، وبدأنا فى دعوة الضيوف من كل دول العالم، لنصنع بانوراما عالمية، ومزيجًا يستطيع أن يقدم رؤية تتناسب مع النظرة الوسطية التى تتبناها الأمانة.
ولأن المؤتمر يناقش إشكاليات العملية الإفتائية وآفاقها، فإن الشريحة المستهدفة بالأساس هم الممارسون لهذه العملية، ونعنى بذلك المفتين وأعضاء المجامع الفقهية والمهتمين بالشأن الدينى دراسة وتنظيرًا، ما ينعكس على تنوع الحضور على أساسين؛ الأول: جغرافى، وحرصنا فيه على مشاركة ضيوف من مختلف دول العالم، من أستراليا، والولايات المتحدة، وأوروبا، وإندونيسيا، وماليزيا، وباكستان، والهند، والأردن، وفلسطين، والسعودية، وتونس، والمغرب، وموريتانيا.
أما الثانى فعلى أساس التخصص، بمعنى مشاركة مفتين رسميين وأعضاء مجالس الأمانات العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وعدد من أساتذة الشريعة والفقه والأصول، وإعلاميين، وسياسيين، ومفكرين ممن يمتلكون رؤية لمعالجة إشكاليات الشأن الدينى.
■ فى ظل توجيه الدعوة لدولة تونس.. ألا توجد تحفظات على وجود ممثليها فى ظل الفتاوى الخاصة بالمساواة فى الميراث والزواج من أجنبى؟
- ليس لدينا أى تحفظات بشأن مشاركة تونس بوصفها إحدى الدول الشقيقة، لأننا نرى أن إقحام رجال السياسة فى الدين وإقحام رجال الدين فى السياسة عبث.
أما فيما يخص فتوى المساواة فى الميراث، فسبق أن علّقت دار الإفتاء على الأمر فى بيان رسمى، وأعلنت رفضها هذه الدعوة، وفقًا لمبدأ «لا اجتهاد فى الأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة».
ومن بين هذه الأحكام مسألة المواريث، لأنها حُسِمت بنصوص شرعية قطعية وصريحة لا تحتمل أكثر من معنى، وقدّر المولى، سبحانه وتعالى، نصيب كل وارث شرعًا، ونصّ على ذلك صراحة فى آيات القرآن الكريم.. قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ}، وكذلك قول النبى، صلى الله عليه وآله وسلم: «إن اللّه تبارك وتعالى قد أعطى لكل ذى حق حقه، فلا وصية لوارث»، وعليه تكون قضية المواريث من الأحكام قطعية الثبوت والدلالة التى لا تقبل الاجتهاد ولا وجهات النظر.
■ ما أهم المشكلات التى تواجه المفتين والفقهاء فى الوقت الحالى؟
- فوضى الفتاوى التى سببها تصدُّّر البعض ممن هم ليسوا أهلًا للفتوى المشهد، رغم كونهم غير مؤهلين علميًا لذلك، لذا يأتى مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ليحمل عنوانًا مهمًا هو «تجديد الفتوى بين النظرية والتطبيق».
وقضية المؤتمر الرئيسية ستكون معنية بإرشاد المستفتين إلى ضوابط وقواعد للعيش فى زمانهم، مستفيدين فى ذلك بسنَّة سلفهم، ومستمتعين بما يوصلهم إلى ما تكرر وتردد كثيرًا فى تراثنا، وهو أن ثمرة علومنا ومعارفنا هى سعادة الدارين، الدنيا والآخرة.
وعلى قدر عظم وأهمية هذا الموضوع سيكون اجتهاد المجتمعين على تحقيق المقاصد والأهداف، ومن المنتظر عقد عدة ورش عمل خلال الفعاليات لمناقشة مسألة وضع ميثاق عالمى وجامع للفتوى، وصياغة منهج دراسى للمفتين، يسمح بالحوار بينهم على أسس واضحة، ويحقق تبسيط المفاهيم، ويحدونا الأمل فى أن نحقق هذه النتائج المرجوة دون التعامل معها بسطحية أو تخوف.
■ كيف نتصدى لـ«فوضى الفتاوى» التى نشهدها فى السنوات الأخيرة؟
- فوضى الفتاوى- كما قلتُ- سببها تصدُّر البعض ممن ليسوا أهلًا للفتوى، فمن يقُم على الإفتاء لا بد أن ينحصر دوره فى بيان الحكم الشرعى فقط، ويخبر عما استنبطه من أدلة المشرع.
لذا نعمل حاليًا على توفير برنامج تدريبى لتحسين المعارف والمهارات الإفتائية، لأننا نرى أن تأهيل الكوادر الإفتائية هو المخرج من ظاهرة فوضى الفتاوى، والتى تعد العمود الأساس لبناء حصن فى مواجهة التيارات المتطرفة التى تعتمد عليها فى شرعنة أفكارها المتطرفة، وفقًا لما يصدره البعض من غير المؤهلين لا علميًا ولا مهاريًا ولا نفسيًا لممارسة مهمة الإفتاء.
■ ما تفاصيل هذا البرنامج؟
- أولًا، ترى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم أن كل محاولة للخروج من ظاهرة فوضى الفتاوى بعيدًا عن تأهيل الكوادر الإفتائية يعد نوعًا من إهدار الموارد، وتشتيت جهود الدول عن الوجهة الصحيحة.
لذا أطلقنا مبادرة تختص بوضع برنامج تدريبى لإكساب مجموعة المتدربين من المشتغلين بالعلوم الشرعية المهارات الإفتائية والعلمية والفنية اللازمة لرفع كفاءة وجودة الأداء الإفتائى لديهم، ما يسمح أيضًا برفع كفاءة وفاعلية المؤسسات الإفتائية التى يمارسون الإفتاء فيها.
وتشتمل هذه المبادرة على ٣ مستويات للتأهيل، هى: مستوى التأهيل المتكامل، وهو طويل المدى يزيد على السنتين، والمستوى التحسينى للممارسين، وتتراوح مدة التدريب فيه بين ٦ أشهر وسنة.
وأخيرًا يأتى المستوى النهائى، الذى يتضمن رفع الكفاءة النوعية فى مجال ما من مجالات الإفتاء، وتتراوح مدد التدريب فيه بين شهر و٣ أشهر.
■ منذ شهور أعلنت مشيخة الأزهر قائمة الـ١٠٠ للمفتين، فيما أعلنت الأوقاف قائمة الـ٥٠ كما يناقش البرلمان مشروع قانون لتنظيم الفتوى.. ألا يُعد ذلك فوضى فى مؤسساتية فى التعامل مع الظاهرة؟
- لا، ونحن لا نستطيع أن نسميه فوضى أو لغطًا، فالمؤسسات الدينية فى مصر تكمل بعضها بعضًا، وجميعنا يحمل رؤى واستراتيجيات محددة، ولدينا بعض القضايا المشتركة التى نعمل عليها جنبا إلى جنب.
وسبق أن ذكرت أن فوضى الفتاوى ستنتهى عندما يتم تأهيل الكوادر الإفتائية للتعامل مع قضايا العصر وإطلاق فتاوى عصرية، كما أن القانون الجديد سيضبط الكثير من الأمور وينعكس إيجابًا على حالة الفتوى فى مصر، ويحقق نوعًا من الفتاوى العصرية.
■ كيف ترى ما يظنه البعض أن تجديد الخطاب الدينى تبديد لمفاهيم الدين الأصلية؟
- تجديد الخطاب الدينى لا يعنى اختراق المفاهيم والأصول، لكن المقصود منه أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر، باختلاف جهاته الأربع «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»، بما يحقق مصلحة الإنسان فى إطار من منظومة القيم والأخلاق التى دعا إليها ورسخها الإسلام.
والهدف من التجديد هو تحديث الأدوات التى تعمل بشكل منضبط، وفق آليات معينة، حتى نستطيع الوصول إلى خطاب دينى رشيد، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم ترك للصحابة الكرام رضوان الله عليهم مساحة للاجتهاد، ودربهم تدريبًا عمليًّا على الاجتهاد، حتى يستطيعوا مواجهة الحياة وتغيراتها من بعده.
■ هل تتحمل بنية الدين الإسلامى مثل هذا التجديد؟
- بالتأكيد، فعظمة الإسلام تتجلى فى أنه يحمل بين طياته المنهج والأدوات التى تجعله صالحًا لكل زمان ومكان، لأنه جاء شاملًا لثوابت لا تتغير هى الإطار القوى الذى يحافظ على هوية المسلم لنفسه ولمن حوله من الكون، وأخرى متغيرة من اجتهادات ومناهج السلف الصالح فى هذه النصوص عبر تفسيرها على أسس اللغة والعقل وقواعد التفسير، لكن ليس علينا الالتزام بها لأنها ترتبط فى الأساس بسياق واقعهم وقتها.
■ ما المشكلة التى تعوق حدوث التطوير حاليًا؟
- المشكلة الكبرى عند ذوى الفكر المتشدد والمنحرف، هى أنهم يحاولون توسيع دائرة الثوابت بغير حق، حتى يضيق على الناس دينهم ودنياهم، فيسهل عليهم تبديعهم وتفسيقهم وصولًا لتكفيرهم، بل ينحرف فكرهم أيضًا إلى استباحة دمائهم.
ولا شك أن تجديد الخطاب الدينى بما يسهم به فى البناء والتنمية والعمل على نشر المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامى من شأنه نبذ كل مفاهيم الهدم والتطرف التى لا تساعد على تحقيق أطر التقدم للبلاد.
والفهم الصحيح للإسلام وعرض مفاهيم الدين والأخلاق على الناس بصورة صائبة يساهم فى ترسيخ قيم التسامح والإخاء وإعلاء مفاهيم المواطنة.
■ لماذا يطالب بعض العلماء بـ«تجديد الفتوى» رغم أنها مسألة متجددة فى الأساس؟
- لأن فوضى الفتاوى الشاذة والتكفيرية التى تحدثنا عنها نالت من استقرار المجتمعات الإسلامية، وتسببت فى فوضى عامة تزامنت مع ارتفاع حدة العمليات الإرهابية والأصوات المتطرفة، وبما أن الاجتهاد فرض فى كل عصر، فهذا يدل بالضرورة على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص، لذا يصبح أمر تجديدها ضروريًا مع تغير الظروف.
كما أن قضية التجديد محورية للمجتمعات التى تشهد تطورًا دائمًا على مدار الساعة من أجل ملاحقة التغييرات المتتالية، ومن ثم لا بدَ من إيجاد العقل المنضبط الذى يعالج هذا التغيير فى إطار الأصول الشرعية، واللجوء إلى أهل التخصص يحل هذه الإشكالية.
لذا فالاجتهاد الفقهى وتجديد المفاهيم والمصطلحات ضرورة من ضروريات العصر، لأنه يمثل الأساس العلمى التى يتعامل به الفقيه مع النصوص الشرعية وآلية إنزالها على واقع الناس فى البلاد المختلفة والأحوال المتنوعة.
ونحن حاليًا مطالبون بوضع حلول لكل المشكلات وفق تطور المجتمعات والعصر، بعدما ظهر كثير من المشكلات، وتوسعت جماعات التطرف والإرهاب على النحو الذى رأيناه فى السنوات الأخيرة بما يمثل مؤامرة على الإسلام ذاته.
وأسهم فى ذلك انتشار الفتاوى الشاذة والمتطرفة، وأصبح ينظر إلى المسلمين فى العديد من بقاع العالم بأسره نظرة سلبية، رغم أن الدين الإسلامى براء من كل الممارسات المنحطة التى تمارسها الجماعات الإرهابية، الأمر الذى يستلزم النهوض لأمر الفتوى من جديد.
■ كيف ترى اتهام البعض لرجل الدين بالتقصير فى قضايا التجديد والتوعية والتنوير؟
- رجل الدين عليه أن يضبط مسار الحركة إذا ما اعوج عن منطق ومنظومة الأخلاق، ليعيده إلى توازنه مرة أخرى، كما أن عليه تهيئة الفرصة للأجيال الجديدة من أجل بناء مستقبل ينعم فيه الجميع بالأمن والسلام والاستقرار.
وضياع هيبة العلماء عامة وعلماء الدين على وجه الخصوص يدفع بغير المؤهلين والمتخصصين والمتعمقين فى العلوم الشرعية إلى صدارة المشهد الدعوى، ما يحدث ضبابية لدى الناس.
والعلماء الحقيقيون هم الذين يبنون أفكارهم على قواعد علمية صحيحة، كما أن استعادة هيبة العلماء تكون من خلال إسناد الأمر إلى أهله، والتمكن من العلم والتعمق فى الاختصاص والتبصر فى معالجة القضايا، مع الالتزام بقواعد علمية منضبطة، وبغير ذلك ستكون معالجتنا عشوائية.
■ ماذا عن دور وسائل الإعلام فى هذا الأمر؟
- الإعلام عليه مسئولية كبيرة فى معالجة الفوضى عبر الأعمال الهادفة، التى تساعد على وصولنا لبر الأمان الفكرى، خاصة فى مثل هذه الفترة الحرجة التى تمر بها البلاد، من خلال عرض العلماء المتخصصين المتعمقين فى الفكر على الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، وإلا فنحن نكون كمن يحرث فى الماء.