العراق والعرب …وهتافات الجزائريين
احتاج العرب إلى وقت حتى يستوعبوا ما حصل في العراق، رغم أنه جرى بعلم الجميع وتحت أنظارهم.
واحتاج العراق إلى وقت أطول حتى يعي أن العرب يبقون امتداده الحقيقي في وقت تبحث فيه الشعوب عن امتدادات واسعة في ظلّ التخندقات والاصطفافات المتعددة التي فرضتها الصراعات الدولية الهادفة الى الهيمنة على أكبر مساحة ممكنة من الكرة الأرضية.
وما بين الوقت الذي احتاجه العرب والوقت الذي احتاجه العراق تتجاذب الطرفين الانتماءات الفرعية والصراعات الإقليمية فتارة تمرّ الأمور على أحسن ما يرام وتارة تنتكس العلاقات بسبب حادثة هنا أو تصريح هناك، فالرغبات الرسمية تتداخل مع الأهواء الشخصية التي تذهب إلى الإساءة بطريقة ما لهذه الجهة أو تلك ما يتسبب بإثارة المشاعر وتقاذف الاتهامات والعبارات المسيئة، لاسيما مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة مفتوحة للمتطرفين باسم الدين أو القومية أو الوطن أو غيرها من الانتماءات، يتبادلون فيها السباب والشتائم والأحقاد، ما فسح المجال للمتصيدين من أصحاب الأجندات الأيديولوجية لأن يمرروا خطابهم من أجل المزيد من الانقسام والتشرذم والاستقطابات الطائفية والقومية.
الوقت الذي احتاجه العراق والعرب، رسميا، لبناء علاقات متوازنة على أسس من التفاهم والموضوعية والالتزام بالقوانين والأخلاقيات الدبلوماسية، لم يكن كافيًا لدى البعض ممن ينتمي إلى المجتمعات في الدول العربية والعراق لأن يعي حقيقة ما يجري والتعامل مع الآخر بالشكل الذي ينبغي أن يكون التعامل، بعيدًا عن آلية التعصب الأعمى أو الأحقاد المبيتة أو الدوافع والنوازع المكبوتة بالشكل الذي تجعله يصنف الناس صنفين ممن هم معه وممن هم ضده، فلا يكفي أن تتوافق مع ما أراه بل يجب أن تؤمن به وتتمناه، وبخلافه فأنت ضدي.. وأنت..وأنت …إلخ من الاتهامات والعبارات المسيئة ليس لأفراد بعينهم بل لشعب بأجمعه بمختلف انتماءاته الفرعية وثقافاته.
هذا الأمر هو ما أثارته تلك الهتافات التي أطلقها الجمهور الجزائري أثناء مباراة لكرة القدم بين فريق اتحاد العاصمة الجزائري وفريق القوة الجوية العراقي في العاصمة الجزائر، والتي قرر الفريق العراقي على إثرها الانسحاب من المباراة بعد أن عد تلك الهتافات عنصرية وطائفية ومسيئة للشعب العراقي بشكل كامل.
وفي الوقت الذي كان على العرب استثمار هذه المناسبات الرياضية لمزيد من التقارب بين مجتمعاتهم، أصبح التعصب الأعمى والاستثمار المؤدلج للجماهير وسيلة لمزيد من التفرق والتشرذم الذي يتحول إلى صدام بالكلمات والألفاظ المسيئة والخادشة.
وهو أمر أقل ما يقال له بعيدًا عن الروح الرياضية، بل الروح التي نتمنى أن تتمتع بها مجتمعاتنا التي تشترك بشكل واحد من المعاناة وتحتاج إلى نوع من التوافق والانسجام حتى تخرج مما هي فيه من حالات التفرقة التي مهدت الطريق لتدمير دول بالكامل وتحاول الامتداد لدول أخرى.
الجزائر ليست أفضل حالًا من العراق، وعانت كثيرًا من التطرف والجماعات المسلحة التي أودت بحياة الآلاف من الجزائرين الأبرياء، فكان على الجزائريين الانتباه إلى أن ما يجري على العراق هو شبيه بما جرى عليهم.
وكما أن الجزائريين وغيرهم من العرب والشعوب الأخرى قد اختاروا طريقهم في الحياة ولهم انتماءاتهم المختلفة، كذلك العراقيون اختاروا طريقهم في الحياة ولهم انتماءاتهم المختلفة سواء أكانت قومية أم دينية أم أيديولوجية، وهي انتماءات تقررها الكثير من الارتباطات التاريخية والعرقية ولا شأن لها بما يخطط له الأمريكان أو الروس أو الإيرانيون أو السعوديون أو غيرهم إلا بقدر الارتباط اللاسوي بالخارج .
وهذا لا يشمل إلا القلة من أبناء العراق وهو مرتبط بالمصالح والصراع على السلطة أكثر مما هو مرتبط برؤية شعب ومجتمع. لذلك فإن كان هناك موقف معين من السلطات في أي بلد يجب ألا ينعكس ذلك على الشعب، وصراع السلطات ليس بالجديد ولا غريب على دولنا التي تفتت مجتمعاتها حتى نال منها الوهن وفت في عضدها الصراعات الداخلية والاصطفافات الإقليمية حتى ما عادت تقدر أن تنهض بواقعها إلا بقدر ما يمكن أن يجعلها تستمر بالعيش.
لقد أخطأ الجزائريون كثيرًا بحق العراقيين، ولكن لا يمكننا إلا أن نقول إنهم نفر ضال، نتمنى أن يلاقوا حسابهم ليس لأنهم هتفوا ضد فريق رياضي حلّ ضيفًا على ملاعبهم ولكن لأنهم أساءوا للعلاقات العربية وأن هتافاتهم تمهد لفتنة أوسع قد يفرح لها المتصيدون بالماء العكر ويحاولون توسيعها لغرض إبعاد العراق عن حاضنته العربية أولًا، وتعميق حدة الخلاف الطائفي في المنطقة وهو الخلاف الذي يدمر بلداننا ويحاول البعض جعله حصان طروادة الذي يجعله يتغلغل أكثر وأكثر داخل المجتمعات العربية المنهكة أصًلا.
لقد أخطأ الجزائريون كثيرًا بحق العراقيين، ولكن لا يمكننا إلا أن نقول إنهم نفر ضال، نتمنى أن يلاقوا حسابهم ليس لأنهم هتفوا ضد فريق رياضي حلّ ضيفًا على ملاعبهم ولكن لأنهم أساءوا للعلاقات العربية وأن هتافاتهم تمهد لفتنة أوسع قد يفرح لها المتصيدون بالماء العكر ويحاولون توسيعها لغرض إبعاد العراق عن حاضنته العربية أولًا، وتعميق حدة الخلاف الطائفي في المنطقة وهو الخلاف الذي يدمر بلداننا ويحاول البعض جعله حصان طروادة الذي يجعله يتغلغل أكثر وأكثر داخل المجتمعات العربية المنهكة أصًلا.