"الإخوان والغرب".. كتاب بريطانى يكشف العلاقة المشبوهة بين الجماعة وواشنطن ولندن
قبل أسابيع قليلة، أصدر الكاتب مارتن فرامبتن، الذي يدرّس التاريخ في جامعة كوين ميري البريطانية، كتابًا حمل عنوان "الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ العداء والانخراط"، مستخدمًا داخل هذا الكتاب العديد من المراجع التي تحمل باللغة العربية، حسبما نقلت صحيفة الحياة اللندنية، في عددها الصادر اليوم.
وبحسب الصحيفة، فإن الكتاب يزيد على ستمائة صفحة ثلثه هوامش للمراجع التي استخدمها لكتابة الموضوع. ويرى الكاتب مهمته في هذا الكتاب تصويب الكثير من الجدل ووضع الأمور في نصابها كما تشير الوثائق التي حصل عليها في الأرشيفين البريطاني والأمريكي، إضافة إلى كتابات قادة "الإخوان" أنفسهم.
ويدور الكتاب كما هو واضح من العنوان، حول تاريخ العلاقة بين تنظيم محلي ودول عظمى، ما يجعل السياق الدولي حاضرًا في شكل صريح. بالتالي، فقد قسم الكاتب الموضوع إلى جزأين رئيسيين: الأول يتعلق بحركة الإخوان في ظلال الإمبراطورية البريطانية. والقسم الثاني يدور حول الحركة ومآلها في العصر الأمريكي.
1- الإخوان في ظل الحكم البريطاني:
يتكون هذا الجزء من أربعة فصول تدور حول العلاقة الموتورة بين الإخوان وبريطانيا. ويتتبع الكاتب نشأة الحركة في مصر عام 1928 بقيادة حسن البنا. وقد تطورت الحركة كرد فعل على صعود التيارين الليبرالي واليساري على حساب الفكر الإسلامي. كما أن الحركة رأت في الوجود الأجنبي البريطاني وتزايد نفوذ الأخير تهديدًا لهوية مصر والعالمين العربي والإسلامي.
وكانت التقارير التي يكتبها البريطانيون عن الإخوان تنم عن تحذير وتخوف منهم بسبب ما يرون أن الحركة معادية لما هو أجنبي، بخاصة بريطاني. وأن الحركة تتبنى نهجًا دينيًا متعصبًا ويصفونها أحيانًا بالفاشية. وأنها حركة معادية للسامية بسبب مواقفها من فلسطين وعزم الصهاينة على إقامة وطن قومي لهم على حساب السكان الأصليين. ولم تكن رؤية الإخوان تختلف عن بريطانيا، والذين كانوا يجزمون بمعادة الأخيرة الإسلام والمسلمين. فالشعور المتبادل بين الطرفين كانت تعتريه الريبة والشكوك في النوايا والعداء المستفحل.
ويتتبع الكاتب الإخوان وعلاقتهم بالحكم البريطاني بالترتيب الزمني ومن خلال السياسة الداخلية لمصر لجهة الأحزاب الوطنية مثل الوفد من ناحية والقصر من الناحية الثانية. وقد حاول البريطانيون استمالة الإخوان بخاصة في ظروف الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت تقدم دول المحور في شمال إفريقيا. بل كان هناك عرض مالي لدعم الإخوان من بريطانيا، إلا أنهم لم يقبلوا...
وبسبب تزايد عنفوان الإخوان وقوتهم تزايد نشاط الحركة من حركة دعوية إلى حركة جهادية تمارس العنف ضد خصومها سواء بالقيام باغتيالات أو الدخول في مواجهات عسكرية مع الحركة الصهيونية، إضافة إلى حشد الجماهير ضد الوجود الأجنبي، والبريطاني بالذات. وكان نتيجة لذلك أن تعرض المرشد العام الأول للإخوان حسن البنا إلى الاغتيال، ما زاد تأجيج الشارع المصري.
وقد لعب الجهاز الخاص دورًا أساسيًا في العمليات المسلحة، بخاصة ضد البريطانيين في منطقة القناة، ما زاد من قناعة البريطانيين بعدم جدوى الحوار مع حركة متطرفة وعنيفة. وبدا للغربيين أن قيادة الإخوان فقدت السيطرة على الجهاز الخاص، وقد شاركت الحركة في خلق بلبلة في البلاد، ما ساهم في اندلاع ما عرف بحريق القاهرة في 1952. وما زال الفاعل لهذه الحرائق، والتي أتت على الأخضر واليابس مجهول الهوية.
2- الإخوان في ظلال العصر الأمريكي
طور الإخوان علاقات مع الضباط الأحرار، ويروي الكاتب أن بعض هؤلاء الضباط كانوا من الإخوان. ويضيف أن ثورة 23 يوليو، التي أطاحت الملك فاروق كان بدعم من الحركة. وقد تعهد الإخوان بتوفير القاعدة الشعبية للانقلاب العسكري. وعندما أطيح بالملك، فضلوا أن يبتعدوا من الحكم العسكري. مع ذلك، شارك أحدهم في الحكومة وزيرًا للأوقاف بعد أن استقال من التنظيم.
واستمرت العلاقة بين الإخوان ونظام مجلس قيادة الثورة بين شد وجذب. وقد بدأ التوتر يسود هذه العلاقة، بخاصة بعد أن رفضوا الانضمام إلى هيئة التحرير كحزب حاكم. وبسبب هذا التوتر مع النظام، بدأ الإخوان بالاتصالات مع الأمريكيين لاستخدامهم كرافعة مقابل النظام. وقد قام محمود مخلوف، رجل الأعمال ذو الارتباط الوثيق بقيادة الإخوان وصهر المرشد العام حسن الهضيبي، بزيارة إلى الولايات المتحدة للتحاور مع الحكومة الأمريكية، بيد أنه قطع زيارته بسبب الممارسات العنصرية ضده.
وفي أواخر عام 1953، غادر سعيد رمضان، صهر مؤسس الإخوان، إلى الولايات المتحدة تحت رعاية وزارة الخارجية الأمريكية لحضور ندوة في جامعة برينستون. وكانت الجولة تروم إلى تلميع صورة الإخوان المسلمين كجماعة معتدلة ومحافظة. وفي محاولة لكسب تعاطف إدارة دوايت آيزنهاور الجديدة، ركز رمضان على معاداة الإخوان للشيوعيين. وقد تزايدت حدة الاتصالات بين الإخوان والديبلوماسيين الأمريكيين في القاهرة لخطب ودهم وكسب تأييدهم مقابل النظام العسكري الحاكم.
وكما كان متوقعًا، حصلت مواجهة بين مجلس قيادة الثورة والإخوان. وقد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ما حصل في 12 يناير 1954 من اشتباك بين طلبة ينتمون إلى هيئة التحرير، وطلبة من الإخوان في جامعة القاهرة. وفي الأيام التي تلت هذا الحدث، كشفت الأجهزة الأمنية أسلحة كثيرة ووسائل اتصالات ومتفجرات في مخابئ الإخوان. وقد قامت السلطات المصرية باعتقال كثير منهم بمن فيهم المرشد العام الهضيبي.
وتجدر الإشارة هنا إلى ما ورد في الكتاب حسب الوثائق البريطانية والأمريكية عن مدى الاهتمام والمتابعة لما آلت إليه أوضاع الإخوان من حكومتي واشنطن ولندن. وعلى رغم أن الوثائق كشفت عن تعاطف كبير مع الحكومة المصرية في تعاملها مع الجماعة، إلا أن كانت هناك تحفظات عن هذه الإجراءات، والتي رأوا أنها قاسية وقد تؤدي إلى رد فعل عنيف سيهدد استقرار البلاد. واتسمت نظرة الغربيين إلى الإخوان بكونهم متزمتين دينيًا ورجعيين، وأن الصراع الدائر هو بين جماعة تريد تحقيق الحداثة والتقدم، وجماعة تريد أن ترجع بالبلاد إلى الوراء.