ذو النون المصري.. القطب الصوفي صاحب الدعوة التي لا ترد
تعتبر مصر معقلا من معاقل أولياء الله الصالحين والأئمة الذين ولدوا فيها وتربوا في أرضها وأصبحوا بعلمهم وفكرهم الأشهر في التاريخ الإسلامي، ومن ضمن هؤلاء، إمام العارفين والقطب الصوفي الكبير، ذو النون المصري.
من هو؟ ومن أين جاء؟ وما أبرز ما قدمه؟.. "أمان" يجاوب في السطور القليلة المقبلة.
الاسم الكامل له هو أبوالفيض ثوبان بن إبراهيم، والذي تم تلقيبه بـ"ذي النون المصري"، ولد في النوبة، ثم رحل منها إلى إخميم، وهي سوهاج حاليا، ومنها انطلق في رحلة مطولة لتلقي العلم الشرعي، بدأت من الفسطاط ثم انتقل بعدها إلى عدد كبير من دول العالم لدرجة أن البعض اعتبره من الرحالة حيث سافر إلى أرض الشام وغيرها.
وبعدما تلقى علمه الكبير، أصبحت له رؤية مختلفة للدين جعلت العديد من فقهاء عصره يتهمونه بالزندقة، ليس هذا فحسب بل تواصلوا مع الخليفة المتوكل وحكوا له عن أفكار ذى النون وحديثه في علم الحقائق كي يعاقبه، وبالفعل أرسل الخليفة جنوده للرجل ليكبلوه إليه من مصر إلى بغداد، وكان ينوي الخليفة إعدامه لكن عندما سمع آراءه بكى واعتذر له وأعاده إلى مصر في موكب عظيم ليرد له حقه الذي أضاعه البعض.
عرف عن ذي النون المصري أنه يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعا به إنسان دعاءً استجاب الله له، وكانت هناك قصة طريفة جمعته بتلميذه يوسف بن الحسين الذي أراد أن يعرف اسم الله الأعظم من ذي النون بعد أن خدمه لمدة عام كامل، فرفض بعد أن أجرى له اختبارا فشل فيه، وهو أن يأتي بحقيبة مغلقة من أحد المنازل إليه، ففتحها التلميذ فوجد فأرا هرب من الحقيبة، فلما عاد إلى شيخه قال له: ائتمنتك على فأرة فخنتني أأتمنك على اسم الله الأعظم.
كان لـ"ذى النون المصري" العديد من البركات والكرامات التي تحدث عنها تلاميذه، منها استجابة الله لدعائه لدرجة أنه دعا على مجموعة من الناس على زورق شك في أنهم يتبعون أحد من يريدون إيذاءه، فقال اللهم أغرقهم لو أن منهم أذى، فغرقوا جميعا فعلا، ومن وقتها تعهد ذو النون بألا يدعو على أحد قط.
ومن الكرامات أيضا التي تحدث عنها بعض الصوفية، وعلى رأسهم أبونعيم في كتابه الحلية، أنه قابل امرأة تصرخ على النيل لأن التمساح أكل ابنها، فدعا الله لها أن يعيد ابنها بعد أن صلى ركعتين، فخرج التمساح من النيل وأعاد لها ابنها، هذا بخلاف إعادته أحد أسنان جنود السلطان بعد أن كسرها له أحد الرعية، وكاد يعدم لو عرف الأمير بالأمر؟
ومن الكرامات أيضا التي تحدث بها الصوفية، ومنهم يوسف بن الحسين الرازي، أنه كان ينادي الأشياء فتأتي إليه، بخلاف أنه في مرة أثناء اغتساله بالنيل رأى فيما يرى النائم أنه تزوج سيدة من بغداد وأنجب منها، ثم صحا في دقائق معدودة، وتيقن أنه حلم، حتى جاءت له السيدة وأخبرته بأن ما رآه في الحلم حدث بالفعل.
توفى ذو النون المصري بعدما مرض مرضا شديدا عام 245 هجريا، وكانت وفاته في محافظة الجيزة، وحمله الناس على قارب لدفنه، وشيع جثمانه الآلاف، لدرجة أنه كانت هناك مخاوف من أن تنكسر الجسور المبنية على النيل بسبب الحشود الكثيرة.
لـ"ذو النون المصري" ضريح في مصر يزوره الصوفية ويتبركون به، ولم يكن كثيرون يعرفونه، حتى تم عرض مسلسل عنه عام 1997، بطولة الفنان الراحل ممدوح عبدالعليم.
بعيدا عن علمه الشرعي، كان لـ"ذي النون المصري" دور كبير في حل رموز اللغة الهيروغليفية التي كانت عصية على معظم العلماء في تلك الفترة.