محنة آل البيت فى رمضان «1»
فى سنة أربعين من الهجرية النبوية اجتمع ثلاثة من "الخوارج"؛ ليقرروا مصير أمير المؤمنين"على بن ابى طالب" رضى الله عنه وارضاه فى واقعة تُعد نموذجًا يشرح بمنتهى الدقة، والوضوح التركيبة النفسية، والفكرية لهذه للجماعات المنحرفة.
اسناد المهمة
فى هذا الاجتماع تعهد "عبدالرحمن بن عمرو" المعروف بـ"ابن ملجم" أمام جماعته أن ينفذ قرار اغتيال أمير المؤمنين "على" وأن يكون على قدر المسئولية وجديرًا بها، فأخرج سيفه ونقعه فى السم حتى يقطع أى فرصة للنجاة، وفى الكوفة مكان التنفيذ، ومسرح الجريمة بدأ "ابن ملجم" يضع خطته واستعان برجل يُقال له "وردان " ومعه رجل آخر يقال له "شبيب بن نجدة الأشجعي"
قال له "ابن ملجم": هل لك فى شرف الدنيا والآخرة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: قتل على، فقال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئًا إدًا كيف تقدر عليه؟
الرجل يخاف من هذه المهمة فقتل أميرالمؤمنين وخليفة المسلمين ليس شيئًا سهلا ً لكن "ابن ملجم" يطمئنه بقوله: أكمن له فى المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا وإن قتلنا فما عند الله خير وأبقى.
صاحب ابن ملجم كان لديه فى ركن بعيد جدًا من نفسه بقايا من التدين الصحيح الباهت جعله يقول لابن ملجم: ويحك لو كان غير "على بن أبى طالب" كان أهون علىّ فقد عرفت سابقته فى الإسلام، وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما اجدني أنشرح صدرًا لقتله.
مناظرة ابن ملجم مع شبيب
هكذا يحدث أحيانًا أن تكون هناك بقايا تدين فى القرار البعيد لنفس هذا الإرهابي فتجده يتحرج أحيانا تجاه حادثة بعينها يحسها يشعر أن هذا الطريق ليس هو الصحيح، وهنا يأتى دور، ومهمة الجماعة، وقيادتها لوأد هذه البقية الباقية، وقتلها فى نفس ذلك الإرهابى المستعدة لذلك بغير كثير جهد، ولا طول عناء فهى مملوءة منذ زمن بعيد بتلك العقيدة الدينية الخاطئة لذا لم يجد "ابن ملجم" أى صعوبة فى إقناع صديقه، فقال له: أما تعلم أنه قتل أخواننا؟ قال: بلى قال: فنقتله بمن قتل.
تبرير بسيط ومريح جدًا اخذ فيه ابن ملجم دور المحقق، والقاضى، والعالم علم اليقين بحقائق الأمور، ودقائقها، ومن ثم فكلامه حق لا مراء فيه، ولا جدال، فأصدر حكمه، وهكذا يكون الإرهابى مهما اتيته بكل دليل لن يعود إلا أن يشاء الله، لأنه يعتقد أنه وحده، ووحده فقط الذى يملك ويعرف الحقائق، والحق؛ لذا تجد أصغرهم كما شأن أكبرهم لا يعترفون بأى خطأ فهم لايمكن أن يخطأوا، وهل من يعرف الحقائق، ويملك الحق يخطئ؟
ليلة الجريمة
اقتنع صاحب "ابن ملجم" وتواعدوا ثلاثتهم، "ابن ملجم"، و"وردان"، و"شبيب" على التنفيذ ليلة السابع عشر من شهر رمضان المعظم فى تلك الليلة خرج الإمام واثق الخطى مملوءًا بالايمان يوقظ الناس لصلاة الفجر، ويقول: الصلاة الصلاة كما كان شأن حبيبه صلى الله عليه وسلم.
الإمام مدرج فى دمائه
هنا تقدم إليه بالسيف "شبيب" الغادر فضربه ضربة وقع منها الإمام فتقدم إليه "ابن ملجم" بفحيحه قائلا له: يا "على" لا حكم إلا لله ليس لك، ولا لأصحابك يا "على" وجعل يتلوا قول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، ثم ضرب الإمام بسيفه على رأسه فسال الدم على لحيته رضى الله عنه وارضاه وجعل يقول لا إله إلا الله لا يتلفظ بغيرها حتى مات فهل اهتز ضمير القاتل، وجماعته من رجل مات وهو يقول لا إله إلا الله لا ينطق بغيرها؟ ابدًا لم يهتز، ولم يتحرك؛ لأنهم وحدهم من يعرفون ويحددون على وجه اليقين من هو المسلم، ومن هو الكافر، وقد حكموا على الإمام على بالكفر ولن تنفعه "لا إله إلا الله" هذا "على".
القتله يقرأون القرآن
قتل "ابن ملجم" عليًا وهو يردد قول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).