الدولة الإسلامية المفهوم والأفكار
رأس هذا المقال هو عنوان بحث للدكتور سعد الدين العثماني رئيس وزراء دولة المغرب، وهو مؤلف صغير يقع في 25 صفحة ولكنه كبير في معناه أكد فيه علي عدة مفاهيم كثيرة غابت عن أذهان بعض قادة الحركات الإسلامية أو اضطراب الفهم فيها وتضخم أمرها حتي أصبحت ثابتًا من ثوابت الدين، ومن أصول عقائده خاصة في المشرق العربي من هذه المفاهيم أن السياسة من العاديات وهي من أمور الدنيا، وليست من قبيل العبادات التي هي قربة إلي الله تعالي فقال " إن النصوص الشرعية قد فصلت في العقائد والعبادات والأخلاق وبعض جوانب الحياة الاجتماعية فإنها في الجانب السياسي ركزت أكثر علي المبادئ والقيم والمقاصد مثل العدل والشوري بما يترك المجال للتطور والإبداع البشري وتراكم الخبرات الإنسانية.
وبما أن السياسة هي من أمور العاديات وليست من قبيل العبادات وأن النصوص الشرعية قد وضعت أطرا عامة ومبادئ موجهة إذن فإن هذه " المبادئ والمقاصد الشرعية في المجال السياسي تنبثق عنها نظم سياسية متنوعة الأشكال والصيغ وليس هناك نظام سياسي إسلامي واحد ومحدد، والمسملون في ذلك يمكن أن يستفيدوا من الحكمة الإنسانية دون حرج ".
وبناءً على هذا المفهوم فإن أمور السياسة داخلة في منطقة مفوضة للإجتهاد البشري وبما أنها أي السياسة مفوضة للاجتهاد البشري يعني ذلك أنه ليس في الإسلام شكل محدد لبناء الدولة وممارستها ووظائفها وبالتالي الحديث عن وجود نظام سياسي في الإسلام يجافي هذه الحقائق الواضحة فالنظام السياسي يستلزم كيفيات تفصيلية في نظام الحكم، وهي غير موجودة لكن يمكن الحديث عن مبادئ موجهة وقواعد كلية ومقاصد عامة يطلب من المسلمين الالتزام بها في اجتماعهم السياسي، ثم أكد على أن للنبي صلى الله عليه وسلم تصرفات واجتهادات سياسية ودنيوية وهذه التصرفات تصلح فقط لوقتها وزمانها ومكانها وهي ليست ملزمة لأي جهة تشريعية أخرى قال إنها " تصرفات غير ملزمة لأي جهة تشريعية أو ذات سلطة بعده صلي الله عليه وسلم لأنها تنزيل على واقع خاص وظروف مخصوصة ولا يجوز الجمود عليها بحجة أنها سنة وإنما يجب على كل من تولي مسئولية سياسية أن يتبعه صلى الله عليه وسلم في المنهج الذي هو بناء التصرفات السياسية علي ما يحقق المصالح المشروعة ".
ثم وجه النظر إلى أنه لابد من التفريق بين أمة السياسة وأمة الدين فقال " فأمة الدين تجتمع أفرادها رابطة الأخوة العقدية والإيمانية، وأمة السياسة تتكون من أشخاص يجمعهم وطن سياسي واحد ولو كانوا ذوي عقائد وانتماءات مختلفة وأن الأمة الإسلامية هي أمة ذات رابطة دينية وليست بالضرورة ذات رابطة سياسية.
ثم تحدث علي أن مفهوم الدولة قد تطور عبر التاريخ وتغير مفهومها في العصر الحديث فقال " وأصبح اليوم لها شخصية اعتبارية لم تكن موجودة عبر التاريخ لأنها كانت أي الدولة تختزل في شخص الحاكم أو الإمام وأن الإطار العام للبناء السياسي قد تقيد كذلك بشكل جزري وعرف تحولات عديدة ثم أكد على " أن الأمة المسلمة بمعناها الديني هو الأصل وأن التكييفات السياسية لوجود المسلمين عبر التاريخ إنما هي اجتهادات لمواجهة تكاليف الحياة الاجتماعية، وتحقيق مقاصد الدين في الواقع فهي فوضت لهم مثل ما فوضت لهم سائر أمور دنياهم وأن وجود دولة إسلامية بمعنى تعبيرها عن الأمة الإسلامية ليست مقصودًا شرعيًا دينيًا ولكنها حاجة ومعطي سياسيان.
ثم ختم بحثه بأن " القواعد والأصول الإسلامية المرتبطة بالسياسة تقتضي أن الدولة شأن دنيوي مفوض للاجتهاد البشري وأنه يمكن للمسلمين تبني أي شكل منه مقبول وفق المبادئ والمقاصد الشرعية ومن هنا فإن اعتبار إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية واجبًا دينيًا أو شرعيًا لا ينسجم مع تلك الأصول لكن عندما غابت هذه المفاهيم عن الأذهان، تضخم أمر الدولة وكلف هذا الأمر دماء ومآسي كثيرة ومعارك طاحنة كان من الممكن توفير الوقت والجهد والعرق فيما هو أنفع وأصلح.