مؤسساتنا بألف خير
كما هاجمت أقلام الخصوم، كل منجزات ثورة 23 يوليو، ومنها السد العالى، وقالوا كلاما كثيرا يحذرون من أخطاره وآثاره الجانبية، وتناسوا أن لكل دواء أعراض جانبية، وأن الدواء جاء لعلاج مرض، أكثر ألماً وتأثيراً من الأعراض الجانبية، التى يسببها العلاج، كما هاجموا تأميم القناة، وهاجموا القوات المسلحة والشرطة والمخابرات والدولة البوليسية.
لا أميل كثيراً إلى فكرة ردم الماضى، وإهالة التراب عليه، كل الماضى، مع أن ردم الماضى ظاهرة مصريةعتيقة، والدليل أن كل ماضينا مدفون تحت التراب، وكل يوم نكتشف منه الجديد. ولكنى أعود سريعا إلى فترة ماضية قريبة، ربما لم يعاصرها كثير من الشباب، ولكن من كان تزيد سنهم على الخمسين ربما عاصروها، ففى فترة من فترات تاريخنا الحديث، هاجمت بعض الأقلام المصرية والعربية ثورة 23 يوليو، ووصفتها بالثورة الديكتاتورية. ولكننى أعتقد أن ديكتاتورية ثورة 23 يوليو لم يشعرالشعب المصرى، بل كان يرى فيها نوعا من الطموح إلى الرقى والمستقبل، وفى ظل تلك الديكتاتورية شيدت المدارس والمستشفيات والوحدات المجمعة فى القرى، والساحات الشعبية فى كل مراكز الجمهورية، وأهم ما فيها أننا تعلمنا حتى التعليم الجامعى بالمجان. ولم يشعر بوطأة أجهزة الأمن والمخابرات، إلا قلة قليلة، بل وفى غاية الأقلية. ولم يكن الشعب يحتمل أى كلمة تقال على جمال عبدالناصر!
كما هاجمت أقلام الخصوم، كل منجزات ثورة 23 يوليو، ومنها السد العالى، وقالوا كلاما كثيرا يحذرون من أخطاره وآثاره الجانبية، وتناسوا أن لكل دواء أعراض جانبية، وأن الدواء جاء لعلاج مرض، أكثر ألماً وتأثيراً من الأعراض الجانبية، التى يسببها العلاج، كما هاجموا تأميم القناة، وهاجموا القوات المسلحة والشرطة والمخابرات والدولة البوليسية.
وتعرضت المخابرات المصرية لأسوأ ما يمكن أن يتعرض له جهاز وطنى، فتم حبس رئيسها صلاح نصر، فى قضية تعذيب الكاتب الصحفى مصطفى أمين، وتم هذا بموافقة جمال عبدالناصر شخصيا، كما تم ذلك مع محمد كامل رئيس المخابرات أيضا فى عهد الرئيس السادات، فيما يعرف بقضية التصحيح فى مايو 1971.
ورغم كل هذا، لم يحدث إطلاقا، فى مصر. أن اغتصبت مسجونة أو معتقلة سياسية، فى سجن أو معتقل، أو حتى حجز بقسم شرطة، كما جاء فى فيلم «الكرنك»، وسلسلة الأفلام التى نددت بتلك الظاهرة.
الغريب، أن معظم الكتاب، نسبوا إلى جهاز المخابرات بأنه يعذب الناس ويجبرهم على الاعترافات، مع أن جهاز المخابرات لا يمتلك قوة أو جهازاً للاعتقالات، والذى حدث أن الشرطة العسكرية، أيام المشير عبد الحكيم عامر، والذى كان وزيرا للدفاع، وقائدا للجيش، كانت تتولى عمليات القبض والتحقيق، وأن جهاز أمن الدولة الذى صوروه على أنه السفاك لم يكتمل بناؤه ولا قوته إلا فى عهد حسنى مبارك، وفى تلك الفترة، تولى الجهاز قضية من أخطر القضايا حساسية، وهى قضية السلام مع إسرائيل والعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، والتى لا يزال يضطلع بها هذا الجهاز حتى اليوم. أقول هذا بمناسبة الهجمات الضارية التى تنهال على القوات والشرطة والمخابرات وكل الأجهزة الأمنية، والتى وصلت بالبعض إلى حد تصويرها بأنها ألد أعداء الشعب. ولا أعرف من أين جاءهم هذا الإحساس؟ ولا أبرئ أجهزة الإعلام التى فتحت أبوابها وصفحاتها لكل من يجيد السب والشتم وإلحاق السباب بتلك الأجهزة. وهو موقف غريب من أجهزة، لا نعرف له سبباً. وربما امتدت تلك الحملة إلى مدارسنا وجامعاتنا القومية، والتى تطلق منها كل الشعارات البذيئة. وكان آخرها رفع علم القاعدة. فهل يتصور البعض، أن تستمر دولة دون جهاز مخابرات له احترافية عالية، أو جهاز شرطة قوى يفرض الأمن واحترام القانون، أو جيش قوى يركز دعائم الاستقرار.
■ خبير أمنى