المفتي: قضية التراث تعاني من ظلم فريقين لم يرتقيا إلى فهم المضامين الفكرية
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إن “قضية التراث الإسلامي والمحافظة عليه من القضايا الهامة التي عُني بها علماء الأمة الإسلامية وقادة الرأي وأئمة الفكر”.
وتابع المفتي:"واجتمعت كلمة العلماء والأئمة وعقلاء الأمة على أن تراثنا الفكري والحضاري ثروة عظيمة ينبغي أن نحافظ عليها وأن نستفيد منها وأن نعمل على إحياء تلك القيم الحضارية التي ورثناها عن أسلافنا العظماء في شتى المجالات الفكرية والعلمية والعملية".
وأضاف: أن “قضية التراث عانت من ظلم فريقين أحسب أنهما لم يرتقيا إلى فهم المضامين الفكرية والحضارية والقيم النبيلة التي لم نهتدِ إليها إلَّا من خلال فَهمنا واستيعابنا لقيم تراثنا الفكري والحضاري”.
جاء ذلك في كلمته الَّتي ألقاها اليوم في المؤتمر العلمي الدولي الثالث الذي تنظِّمه كلية اللغة العربية بإيتاي البارود، والذي يتناول من خلال العديد من الأبحاث الجادة قضايا التراث العربي والحضاري والتحديات والآمال.
وأوضح: أن “الفرقة الأولى في فهم التراث هي فرقة الجامدين على ظاهر التراث، الذين تعاملوا مع التراث باعتباره نصوصًا حرفية جامدة، ولم تسعفهم قواهم النفسية والروحية على تقبل فكرة التجديد، والتجديد في ذاته هو قيمة تراثية في المقام الأول، وأول من حثنا على التجديد هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
واستشهد بما روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدِّد لها دينها»، لافتًا النظر إلى أن هؤلاء الذين ظنُّوا أنَّ التجديد قيمة مغايرة أو مناقضة للتراث لم يفطنوا إلى أن علماء الأمة المحمدية، وفيهم مَن لا يحصون مِن المجتهدين والمجددين، قد استفادوا ممَّا وضعه العرب الأوائل من أفكار حول توثيق الأخبار وروايات الشعر العربي الجاهلي.
وطوَّروا كثيرًا من آليات توثيق النص النبوي بما يتناسب مع قدسية وجلالة أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما تحملها من قيم تشريعية إلى الناس أجمعين، فأدخلوا معايير جديدة من الجرح والتعديل، وأحوال الرواة، وعلوم البلدان ورحلات الرواة، وأحوال الراوي الواحد من حيث الاختلاط وعدمه، وطوَّروا من عِلم الأنساب الذي كان معروفًا عند العرب حتى أصبح أكثر دقةً وشمولًا واتساعًا، حتى تكوَّن من جهود علماء الحديث على تنوُّع علومهم واتِّساع فنونهم أعظم ما توصَّلت إليه البشرية من معايير علمية دقيقة لتوثيق النص والحفاظ عليه من شوائب الدسِّ والتحريف.