كيف كانت نهاية البطل الحقيقي للأسطورة الشعبية «ياسين وبهية»؟
فى التاسع من ديسمبر عام 1905 نشرت صحيفة الأهرام خبراً يفيد بمقتل ياسين البطل القاتل المحترف والمجرم السفاح فى مغارة بأسوان على يد الضابط محمد صالح حرب، وإجلاء بهية من المغارة التى ادعت اختطافها وأجبرها على المعيشة، ولكن مع التحقيق ثبت أنها كانت تعيش معه بكامل إرادتها وادعت الخطف حتى لا يقتلها أهلها بعد عودتها إليهم.
التراث الشعبى احتفى بقصة ياسين وبهية، وترددت القصة فى الأغنيات والحكايات بل والسينما والدراما وفى الإذاعة؛ لدرجة أن ياسين تحول إلى بطلاً شعبياً بدلاً من كونه قاتل محترف ومجرم سفاح وهو ما اثبته المؤرخ جمال بدوى فى كتابه "مصر من نافذة التاريخ"، الصادر عن مكتبة الأسرة فى طبعة خاصة مختصرة للهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة؛ وهو ما اشار إليه قائلا: "ظلت أسطورة ياسين وبهية مجالا خصباً لخيال المؤلفين عبر الأجيال.. كل جيل يضيف إليها ما يوافق ظروفه السياسية والاجتماعية، ويحقق حلم الشعب فى ظهور البطل حتى لو كانت القصة الأصلية خالية من كل عناصر البطولة والشرف، وقد يدهش أصدقاء ياسين، إذا عرفوا أن بطلهم الأسطورى لم يكن سوى مجرم سفاح يحترف مهنة القتل بالأجر، ويتعيش من دماء الضحايا الأبرياء، وسوف تزداد دهشتهم، إذا عرفوا أن قاتل ياسين هو المجاهد الإسلامي المعروف اللواء محمد صالح حرب باشا وزير الحربية ورئيس جمعية الشبان المسلمين، يرحمه الله".
نهاية ياسين وردت بالتفصيل فى مذكرات اللواء محمد صالح، والتي نشرها الدكتور محمود دياب فى كتاب بعنوان " أبطال الكفاح الإسلامى المعاصر"؛ حيث قال:" القصة وقعت عندما كان محمد صالح حرب فى بداية حياته العملية بالجيش، وذهب إلى وادى حلفا ضمن بعثة عسكرية لشراء سرب من الجمال للخدمة فى سلاح الهجانة. وفى أثناء عودة الضابط الشاب على رأس قطيع الجمال تسامع عن قصة ياسين أعنف وأشقى وأجرأ مجرم مشى على أرض مصر فى زمنه؛ فقد اتخذ القتل حرفة، وإزهاق الأرواح تسلية، وبينما كان الضابط الشاب صالح حرب يستريح مع قطيعه من الجمال فى بعض الأودية المتاخمة لجبال أسوان، أبلغه أحد أتباعه أنه رأى بدوياً نائماً على بطنه عند إحدى المغارات وفى يده بندقية، فلما ذهب يستطلع الخبر فوجئ بوابل من الرصاص ينهمر من ناحية المغارة، فأدرك على الفور أن القدر وضعه وجهاً لوجه أمام ياسين، وأنه لن يخرج من المنطقة كما دخلها.. فإما قاتلاً وإمام قتيلاً.. وخطرت للضابط الشاب فكرة جريئة فاستدار نحو قمة التل الذى يعلو فتحة المغارة وأسقط حبلاً تتدل منه حزمة من البوص المشتعل، وحملت الريح الدخان إلى فوهة المغارة وشعر ياسين بالاختناق، فاضطر إلى الخروج منها، ودارت معركة حامية الوطيس وأصيب ياسين بأربعة رصاصات، وعند دخول المغارة فوجئنا بامرأة تصرخ ومعها طفل يولول، فأخرجناهما، واتضح أن المرأة المسكينة زوجة الشقى، والولد ابنه، فلما علمت الزوجة بمقتل ياسين اندفعت تزغرد وتقول "بركة لى.. بركة لى".