عفوًا! لماذا تريد من أوروبا أن تعطف عليك؟
يصرخ أحدهم على صفحات مواقع التواصل أو في أحد البرامج أو في مقدمة مباراة كرة قدم (انظر للازدواجية الغربية، يقفون مع أوكرانيا ويذرفون الدموع عليها ويساعدونها بينما لا يفعلون المثل مع فلسطين وسوريا واليمن …الخ)
ومن بعد صرخته المشحونة تلك نشاهد جحافل البكاءين المتشنجين ينقلون كلامه ويضيفون من عندهم البهارات المعروفة لتتضخم القصة المأساوية دون أن يحاول أحدهم التوقف لبرهة وطرح الحقيقة.
ما هو المطلوب من أوروبا؟ لقد حدثت داخل حدودها حرب فجائية كسرت السلام الذي تنعم به دولها وتوشك أن تحطم التناغم السياسي والاجتماعي والرفاهية التي يعيشون فيها.
بالطبع يجب أن يقفوا وقفة صلبة في وجه من تجرأ وفعل ذلك وأن تصبح هذه القضية محورا رئيسيا في جميع تحركاتهم وقراراتهم، وأن يمدوا يد المساعدة غير العسكرية وحتى العسكرية لهذا البلد الذي يشهد هجوما من دولة نووية عظمى بكافة جبروتها العسكري والسياسي.
أنت تسأل لماذا لا يقومون بمثل هذا التحرك في القضايا العربية؟
أولا لأنها قضايا عربية، إنها قضايانا يا سادة ، كيف وصل الأمر بنا لكسر المنطق بهذا الشكل لدرجة إحالة كل مشاكلنا للآخرين دون أن ننظر داخلنا، دون أن نتحمل مسئولياتنا؟
مع ذلك انظر جيدا لتعرف أن أوروبا هي من تستقبل الهاربين من الصراعات العربية على أراضيها وأنت تغضب لأنها أحيانا تعاملهم ببعض الشدة، وهي أكبر مساهم مع الولايات المتحدة في المساعدات لفلسطين، وهي أكبر المساهمين في عمليات إغاثة سوريا، هي من تتدخل لمحاولة حل الخلافات في العديد من المشاكل العربية.
حكومة الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات في العالم تليها حكومات تركيا، ثم ألمانيا، ثم الاتحاد الأوروبي ثم المملكة المتحدة ثم السويد وهولندا ... الخ من فضلك لاحظ الترتيب!
لنكن متأكدين أن الدول الأوروبية تعمل بكد وجهد من أجل مصلحتها أولا وهو الوضع المنطقي الذي لا تلام عليه، لماذا تطالبها أن تعمل بكد وجهد من أجل مصلحتك أولا؟
هل جاء في مخيلتك أن تترك أزماتك أنت الخاصة وتضعها أسفل أولوياتك لأن التوترات في أوروبا تزعجك؟ وأنك سوف تتنزه عن مصلحتك الخاصة لمد يد العون لأوروبا متجاهلا سوريا مثلا؟
هل تتمنى أن تقطع أوروبا علاقاتها بإسرائيل أو تفرض عليها العقوبات؟
أعتقد أنها فكرة غير واقعية على الإطلاق لعدة أسباب، فإسرائيل لا تحارب أوروبا مثلما تفعل روسيا، وإسرائيل رغم خلافاتها الداخلية هي دولة موحدة ولها رؤية واحدة للتعامل مع أوروبا والولايات المتحدة وجميع دول العالم، وهي حليف استراتيجي لبعض الدول الأوروبية وهي دولة تبدو بالنسبة لهم طبيعية ومتقدمة، بل وربما مسالمة في وسط محيط من الاضطرابات المتفاوتة في سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وصراع أيديولوجي طاحن بين اتجاهات دينية وسياسية واجتماعية لا تنتهي.
علينا أن نعرف أن الحل دائما في الداخل أولا، لن تحل القضية الفلسطينية حين تتدخل الولايات المتحدة أو أوروبا لصناعة اتفاقية سلام أو حين تقرر هذه الدول أن تذرف الدمع كمدا على مأساة الفلسطينيين أو تنظم حملات لمقاطعة إسرائيل في الرياضة والمعارض الفنية وحتى السياسة وإنما أضمن لك حلا نهائيا ومرضيا للجميع عندما يتفق الفلسطينيون جميعا أو يضعون صيغة لاختلافاتهم ويتحركون خلالها بنضج سياسي ورؤية واحدة لتحقيق أهدافهم.
لنعد للمثل القديم جدا الذي يقول (ما حك جلدك مثل ظفرك) أما المتباكون على ضياع العدالة والميزان الأعرج فعليهم أن يفكروا مليا في الواقع الذي نعيشه.