تنمية الأسرة المصرية.. قضية أمن قومى
يتسع مفهوم الأمن القومى أحياناً ليشمل جوانب أخرى غير المتعارف عليها من أنه يهدف إلى سلامة وصون البلاد داخلياً وخارجياً فقط.
وكثيراً ما أشرنا إلى بعض هذه الجوانب، خاصة تلك التى تتعلق بالتوعية وبث روح الانتماء.. وقد تأكد لى ذلك أيضاً عندما تابعت كلمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية، والتى استمعت إليها عدة مرات، واسترجعت العديد من النقاط المفصلية التى أعتبرها وقفة حقيقية ولحظة مصارحة مع الشعب المصرى كان لا بد منها على ضوء تلك المرحلة الصعبة التى يتجه العالم إليها بسرعة فائقة نتيجة تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية وما سوف يترتب عليها من أزمات اقتصادية سوف تجر العالم الى ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية، مثل البترول والقمح والغاز، ولعل ما يهمنا فى مصر هو القمح بحسبانه إحدى السلع التى تمس المواطن المصرى البسيط الذى يقوم بشراء رغيف الخبز المدعوم من قبل الدولة يومياً وتزداد كمية الشراء بزيادة عدد افراد الاسرة، والتى شهدت زيادة وصلت إلى 14 مليون نسمة خلال السنوات السبع الماضية وهو ما أثقل كاهل الدولة وجعل هناك شعوراً بعدم اكتمال الخدمات التى ينشدها المواطن من تعليم وصحة ورفاهية، فى حين أن هذا المواطن قد شارك بالفعل فى ذلك نتيجة الانفلات غير المسبوق فى الزيادة السكانية غير الطبيعية والتى تفوق وتتجاوز قدرات الدولة التى أصبحت عاجزة عن تقديم الخدمات بشكل يحقق رضا ذلك المواطن.
لقد تضاعف تعداد مصر 5 مرات منذ عام 1950، وبالتالى أصبح مستوى التعليم يشهد تراجعاً شديداً مما يترتب عليه إفراز أجيال من أنصاف المتعلمين واحياناً أقل من ذلك ممن يحملون مجرد شهادة تخرج دونما أى مقومات أخرى تؤهلهم للالتحاق بسوق العمل التى أصبحت تحتاج إلى كوادر مؤهلين للتعامل مع ذلك التطور التكنولوجى الذى يشهده العالم فى جميع مجالات الحياة على الرغم من محاولات الدولة تأهيل البعض من الخريجين بعد حصولهم على تلك الشهادة التى لم تعد صالحة وحدها كمسوغ للتعيين، ولكن للأسف لم تحقق محاولات الدولة الهدف المنشود من ذلك.
لم يترك السيد الرئيس قطاعاً واحداً من قطاعات الدولة إلا وأشار إليه مناشداً القائمين عليه بضرورة القيام بدورهم التوعوى لوقف نزيف البشر الذى أصبح يمثل تحدياً لا تستطيع الدولة وحدها مواجهته ما لم تتضافر جهود جمعيات المجتمع المدنى والإعلام والمؤسسات الدينية والأحزاب وغيرها كى تساند الدولة فى تلك المواجهة، حيث أصبحت الزيادة السكانية تمثل عدواً لا يقل فى خطورته عن الإرهاب نظراً لأنه يكبد الدولة أعباء من الصعب تحملها إذا استمرت تلك الوتيرة فى الزيادة السكانية التى تشهد كل عام 2,5 مليون مولود جديد له الحق فى الحياة والصحة والتربية السليمة والتعليم المتطور ولكن كيف يتحقق ذلك وإمكانيات الدولة أقل بكثير من معدلات تلك الزيادة؟.
تحدث أيضاً السيد الرئيس عن علاقة المواطن بالدولة، حيث أشار إلى أن هذا المواطن يتعامل مع دولته وكأنها خصم له حيث يحاول دائماً التقليل من حجم الجهود الجبارة التى تبذلها أجهزة الدولة لتهيئة حياة أفضل لأبنائها بل وأحياناً يهاجمها ويتهمها بالقصور فى عملها، وهذا بطبيعة الحال على غير الحقيقة التى تشير إلى أن أى جهد للدولة لن يكون له التأثير الملموس بوضوح نتيجة تلك الزيادة السكانية المتسارعة.. وقد غفل هذا المواطن أنه شريك مع حكومته بمعنى أنه جزء من هذه الدولة ويجب أن يكون متفاعلاً معها ومساعداً لها فى أداء عملها من خلال نبذ السلبية والعمل بإيجابية ووعى ورشد، سواء فى العمل المكلف به من قبل الدولة أو فى استهلاكه المتزايد للسلع المدعومة أو فى استغلاله تلك الخدمات التى تقدمها الدولة مجاناً والالتفاف حول الشروط التى تتطلبها أحياناً، مثل تنظيم الأسرة أو إخضاع المتزوجين حديثاً للكشف الطبى للتأكد من سلامتهم الجسدية والنفسية قبل إتمام الزواج، وذلك تحقيقاً للصحة الإنجابية التى تخفف عن كاهل الدولة إيجاد جيل من الأطفال المصابين بأمراض وراثية تجعلهم عبئاً على أسرتهم وعلى دولتهم.
كان من الضرورى وأنا أتابع كلمة السيد الرئيس أن أتأمل تعبيرات الوجه ولغة الحديث وتلك الحالة من التأثر لشعوره بأن ما يقوم به من جهود جبارة يعتبرها أهل الإنصاف أنها من قبيل المعجزات وليس مجرد إنجازات لا تحقق ذلك الهدف المأمول الذى ينشده لرفعة شأن المواطن المصرى فى كافة مناحى الحياة... وعلى الرغم من ذلك فإن اليأس لم يعرف طريقاً إليه أبداً بل إن تلك التحديات قد زادته إصراراً على استكمال مسيرة التعمير والبناء والعطاء، وهذا من شيم القادة العظماء الذين لا تلين عزائمهم بل تزيدهم قوة وإصراراً وعزيمة.
ثم جاء الختام فى كلمة سيادته التى أكدت أنه يحمل هموم شعب تعرض لخمسين عاماً من الإهمال والتقصير فى حقه.. ويحمل أيضاً أحلام وآمال هذا الشعب فى غد مشرق يتمنى أن يحققه له.. أعانك الله يا سيادة الرئيس على ما حملك لأنه كما ذكرتم سيادتكم "من يفهم كثيراً.. يتعذب أكثر".. وتحيا مصر.