المستقبل أمامنا والعدو وراءنا..
لا يحتاج أى محايد لمجهود كبير كى يلمس صدق الرئيس السيسى وإخلاصه لهذا البلد، ورغبته الصادقة فى أن ينال المصريون ما يستحقون من حياة كريمة ومكانة لائقة.. لا يخدع الرئيس الناس بمعسول الكلام، ولا يداهنهم، ولا يخدرهم بالأمانى والوعود، وهو دارس مدقق للمشكلة المصرية وواع بها، لذلك لا يملك سوى الدأب على العمل، وعلى محاولات تنبيه المصريين وتوعيتهم وحفزهم لتغيير واقعهم والعمل على تدارك عيوبهم.. الرئيس ليس من ذلك النوع الذى يكتفى بتسيير الأحوال وتسكين الأوجاع وتمرير الوقت وترك الأحوال تتدهور باسم الحفاظ على الاستقرار.. هو نمط آخر من محترفى تغيير الواقع، وعلاج المشكلات جذريًا، ورسم الخطط للنهضة.. ولا أريد أن أقول إنه زعيم وطنى وليس مجرد رئيس، لا لشىء سوى أن وصف الزعيم أُطلق على كل مَن حكم مصر من الرؤساء بالحق حينًا وبالباطل أحيانًا.. لذلك أقول إن الرئيس السيسى واحد من المصلحين الكبار فى تاريخ مصر، وهم نفر قليل منهم محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، والإمام محمد عبده، وسعد باشا زغلول، وجمال عبدالناصر، وأظن أن الرئيس السيسى ينتمى لهذا الفصيل من المصلحين، الذين وعوا مشكلة مصر، وقدموا تصورات لحلها، وكانت مهمتهم صعبة، ولقيت مقاومة من هواة الراحة حينًا، وأعداء التغيير حينًا، وأعداء البلاد حينًا آخر.. لكن الحقيقة أن الزعماء والمصلحين هم الذين يصارحون الناس بحقيقة مشاكلهم، ويخبرونهم أن عليهم بذل المزيد من الجهد والعمل لتغيير واقعهم، إن التاريخ ما زال يذكر أن رئيس وزراء بريطانيا الذى قاد بلاده للنصر على خصم جبار مثل ألمانيا قال للشعب يوم توليه «ليس لدىّ لكم سوى الدم والعرق والدموع»، فى إشارة للمعاناة التى سيتحملها البريطانيون حتى ينتصروا، وقد تحمله البريطانيون وساروا وراءه فغيّر تاريخ العالم، وواجه الألمان رغم أن معظم النخبة البريطانية كانت تميل للاستسلام لهم، وأقنع أمريكا بأن تدخل معه الحرب فتغير تاريخ العالم للأبد، والمعنى أن كل سياسى صادق وشريف لا بد أن يصارح الناس بمشاكلهم، أما الفاسدون فلا مانع لديهم من تخدير الناس، أو رشوتهم، أو إلقاء بعض الفتات لهم، ريثما ينتهوا من مهمتهم هم وأعوانهم، وترك الأمور بعدها تجرى على عواهنها كيفما اتفق، إننى وأنا أستمع مع الناس لوقائع رفض تطوير التعليم، وتباطؤ الاستجابة لدعاوى تنظيم الأسرة بسبب سيادة ثقافة التخلف، وعندما أرى عشرات الأمثلة لمقاومة التحديث الواجب، يقفز إلى ذهنى نموذج «التحديث بالقوة» وهو النموذج الذى نفذه محمد على باشا حاكم مصر الحديثة، والذى كان جنوده يختطفون الصبية النابهين ويرسلونهم فى بعثات لأوروبا دون موافقة أسرهم التى لا تعرف معنى التعليم ولا معنى السفر لأوروبا من الأساس، وقد كان أحد هؤلاء على باشا إبراهيم أبوالطب المصرى، الذى كانت والدته فلاحة فقيرة تبيع الخضر فى الإسكندرية، فسافر فى بعثة لدراسة الطب وحصل على الباشوية وأصبح نابغة الطب فى جيله، وقد استوحى قصته السيناريست الكبير محسن زايد فى «حديث الصباح والمساء» وقدمه باسم «داود باشا» الذى لعب دوره الفنان خالد النبوى فى المسلسل الشهير، لقد شاء الله أن يكون التحديث بالقوة هو الأسلوب الأمثل للنهضة فى هذا البلد الطيب، والمحظوظ والمبتلى معًا، إن ما يضاعف من حزن الرئيس أن الواقع يبدو صعبًا، والظروف تبدو معاندة، فالعالم يعانى من أزمة تضخم عالمية، وهناك شبح وباء ظلل العالم لعامين أو أكثر، تلاه شبح حرب عالمية وتوتر دولى له تبعاته، والمثل يقول «عندما تتصارع الأفيال يموت العشب» وللأسف فنحن نلعب دور العشب لا دور الأفيال، وبالتالى فإنه ليس أمامنا سوى أن ننفذ وصفة ونستون تشرشل التى هى نفسها وصفة عبدالفتاح السيسى بصياغة أخرى ليس لدينا سوى بذل المزيد من الجهد والعرق والدموع، مع خطة تقشف حكومية ورسمية معلنة لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكى يشعر الشعب أن الحكومة تشاركه فى مواجهة آثار التضخم، علينا أن نحول قضية تنظيم الأسرة لهدف قومى أولًا، وأن يشارك الفنانون ولاعبو الكرة فى الجهود الإعلانية والإعلامية لإقناع الناس، وأن نعتبر أن نجاحنا فى تخفيض عدد المواليد الجدد للنصف خلال عام هو هدف قومى مشترك، وأن يعلن رئيس الوزراء إجراءات التقشف «وهى موجودة بالفعل منذ تولى الرئيس السيسى»، وأطالب بإعلان عام ٢٠٢٣ عامًا للأسرة المصرية أو للوعى الخاص بالأسرة المصرية، لقد أصبحنا فى منتصف البحر فعلًا، وليس أمامنا سوى أن ننجح، لقد رمينا حجر أساس عظيمًا يتمثل فى آلاف المشروعات ومليارات الدولارات، وليس أمامنا سوى أن نقاتل لنجنى ثمار هذا التطوير والخطوة الأولى هى نشر الوعى بضرورة تقليل عدد المواليد، والخطوة الثانية هى بدء تطبيق خطة التحديث بالقوة، وهى خطة مناسبة تمامًا للحظة التى نمر بها.. البحر أمامكم والعدو وراءكم.. فاختاروا يا أهل مصر.