الفن لا يحترق.. الأمل يتجدد فى عودة «مسرح الجزويت»: توفير التمويل وتفعيل الأنشطة
يعد استديو ناصبيان ثانى أقدم استديو سينمائى فى مصر، حيث أسسه هرانت ناصبيان، رئيس الجالية الأرمينية فى البلاد، وخرجت منه أشهر أفلام السينما المصرية مثل «شفيقة ومتولى، وشىء فى صدرى، وأم العروسة، والحفيد، وباب الحديد».
وباع صاحب الاستديو المكان بعد ثورة ٢٣ يوليو، واشترته الرهبنة اليسوعية وأسست فيه إحدى أشهر وأهم الجمعيات الثقافية، وهى جمعية النهضة العلمية والثقافية «جزويت القاهرة»، وبنَت على جزء منها مسرحًا وسمته باسمه الأصلى استديو ناصبيان.
وصُنف مسرح استديو ناصبيان بأنه أحد أهم المسارح المستقلة التى كانت تفتح أبوابها أمام فنانى المسرح المستقل «غير الحكومى»، حيث تبنى العديد من التجارب المهمة، وكان يقدم نحو ٥ عروض شهريًا، كما كان يستضيف عددًا من الورش والأنشطة مثل: «أنشطة مدرسة السينما بالقاهرة والصعيد، ومدرسة المسرح الاجتماعى (ناس)، ومدرسة الرسوم المتحركة، ومدرسة العلوم الإنسانية، والصالون الثقافى، والورش الحرة، ونادى سينما الجزويت»، كما كان مجهزًا بالمعدات لإعداد وتنفيذ عدد من البرامج الحوارية التوثيقية مع فنانى السينما والمسرح.
واستيقظ الوسط الثقافى يوم ٣٠ أكتوبر ٢٠٢١ على خبر مفزع هو اندلاع حريق كبير فى مسرح استديو ناصبيان، أتى على كامل المبنى وعلى كل محتوياته من معدات وأجهزة صوت وإضاءة، وقدرت الخسائر بنحو ٤ ملايين جنيه، إضافة لخسائر لا يمكن تقديرها بثمن، مثل أرشيف العروض التى قدمت بالمسرح، وماكينة تصوير ١٦ ملّى، وشرائط أفلام، وتاريخ كامل من الفن.
وبادر الفنانون والمثقفون لدعم «الجزويت»، ودعا الناقد الفنى محمد الروبى لعقد اجتماع عاجل ضم أطيافًا مختلفة من الفنانين والمثقفين، ناقشوا خلاله كيفية المساهمة فى إعادة بناء المسرح، وتضمنت الاقتراحات جمع تبرعات لحساب الجمعية، وإقامة عروض ومسرحية وورش ومعارض وأنشطة وفعاليات تطوعية يخصص عائدها لصالح بناء المسرح.
كما أجرت الدكتورة الفنانة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، زيارة للمكان، وأكدت استعداد الوزارة لتقديم الدعم المتاح لـ«الجزويت»، واقترحت تخصيص جزء من إيرادات المسرحيات الحكومية لصالح إعادة البناء، ولكن تعطل الأمر بسبب أن المسرح جمعية أهلية تتبع وزارة التضامن وليس وزارة الثقافة.
واعتبر محمد طلعت، مدير مسرح «ناصبيان»، أنه من الجميل أن تتضافر الجهود لإعادة بناء المكان على هذا النحو، لكن تجديد المسرح يحتاج إلى دعم أكبر من هذا بكثير، مشيرًا إلى النجاح فى تحصيل أرشيف صحفى ضخم من المقالات والموضوعات التى تناولت الحادث، بينما لم نستطع أن نجمع أكثر من ١٠٪ من التكلفة المطلوبة للتجديد.
وأضاف: «استطعنا أن نرفع حطام الحريق وننظف المكان ونهيئه، ونخطط لإقامة فعاليات بسيطة تناسب المسرح على وضعه الحالى، لكن للأسف ما زال مفهوم المسئولية الاجتماعية متراجعًا فى مجتمعاتنا، ونحتاج الكثير من التوعية حتى تدرك المؤسسات غير الحكومية ورجال الأعمال أهمية الفن والثقافة وأهمية أن تضطلع بدورها».
وذكر أن «الجزويت» حظى باهتمام بعض الشخصيات العامة والفنانين مثل الموسيقار عمر خيرت، ومكتب المحامى الكبير راجى سليمان وشركاه، والمنتج جابى خورى، والدكتور محمد أبوالغار، ونعيم صبرى، لافتًا إلى أن هناك فنانين تشكيليين تبرعوا بلوحات لصالح المكان، مثل نشوى التلمسانى التى تبرعت بلوحة للفنان كامل التلمسانى، وحمدى رضا، كما ساعدنا عدد من نواب الشعب مثل ضحى عاصى ودينا عبدالكريم.
وقال هشام أصلان، المسئول الإعلامى لجمعية «الجزويت»، إن الإدارة أطلقت بعد الحادث شعار «الفن لا يحترق» وتحول لـ«هاشتاج» على موقع «فيسبوك»، حيث أردنا أن نقول للناس: «إذا الحيطان والأجهزة راحت الفن نفسه مابيروحش».
وأضاف «أصلان» أن خريجين من مدارس السينما والمسرح بـ«الجزويت» أطلقوا مبادرات لإقامة أنشطة على المسرح، تم بثها «أونلاين» على قنوات الجمعية على «يوتيوب» و«فيسبوك»، وتلتها مبادرات أخرى، كما يتم التجهيز حاليًا لفعالية فنية تنتهى بمعرض يشرف عليه فنان الكاريكاتير عمرو سليم بالتنسيق مع فنانين آخرين.
وتحدث عن أسباب توقف العمل حاليًا فى المكان، قائلًا: «الروتين وإجراءات الترخيص.. والمسرح لما اتحرق الحى اعتبره أرض فاضية عايزين نبنيها، لكن الواقع اللى بنعمله يمكن اعتباره ترميمًا لمبنى تداعى بسبب الحريق».
وتابع: «الأمر يحتاج تيسيرات فى التراخيص، خاصة إننا فى نكبة حقيقية تتعلق بخدمة عامة زى الثقافة والفنون تقدمها الجمعية دون أى عائد ربحى، وهو ما يستحق التضامن والتعاون وتيسير الإجراءات وتقليل النفقات قدر الإمكان، خاصة أن التكلفة عالية وغير متوافرة لدينا».
وأكمل: «كنا متوقعين دعم أكبر من اللى حصل بكتير، حتى التبرعات لم تلبى طموحنا، المتبرعين كانوا متأثرين ومعتبرين إنه مكان تاريخى وراثى (استديو ناصبيان) ولم ينتبهوا إن اللى اتحرق مسرح كان بيخدم شباب الفنانين».
وأكد سامح سامى، المدير التنفيذى لجمعية «الجزويت»، أن الإدارة سعدت كثيرًا بزيارة وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم بعد الحريق بأيام، ومعها عدد من رؤساء قطاعات وزارة الثقافة، وهو أمر ليس غريبًا عليها كفنانة تدرك قيمة وأهمية مكان بتاريخ استديو ناصبيان، ودور «الجزويت» فى الحركة الفنية، ورغم ذلك لم تستطع الوزارة أن تشارك فى دفع مبالغ مالية للمكان.
وأضاف أن الفنانة إيناس عبدالدايم استطاعت بشكل شخصى أن تجلب تبرعات من فنانين ورجال أعمال، كما عرضت فكرة الدعم اللوجستى لتوفير مسارح وزارة الثقافة لاستضافة عروض الاستديو فترة مؤقتة حتى إتمام البناء، واقترحت تطوير شارع المهرانى وتحويله إلى ممشى فنى، وجارٍ العمل على هذا.
وتحدث عن أهم المشاكل التى تواجه الفن المستقل قائلًا: «توافر الدعم اللازم هو مشكلة أولى تواجه الفنانين، والمؤسسات تواجهها عدة مشاكل منها صعوبة الحصول على التصاريح، وتعقيد إجراءات الرقابة، وكذلك نسبة الضرائب»، مطالبًا بتقليل الضرائب على تلك الفرق والمؤسسات وألا تتم معاملتها مثل فرق القطاع الخاص فى المسرح، أو شركات الإنتاج الضخمة فى السينما.
وقال الأب وليم سيدهم، رئيس مجلس إدارة جمعية «الجزويت»، إن المكان ليس مجرد مسرح، بل مؤسسة ثقافية متكاملة، وقد وفر أماكن بديلة للفرق المستقلة بأقل التكاليف، مع تقديم الدعم التقنى، وتسهيل إجراءات الرقابة، وإنتاج المسرحيات الجادة.
وتحدث عن الخطط القادمة لتجديد المكان، قائلًا: «إحنا شغالين بإيدينا وسنانا، ولكن بعض الإجراءات تعرقلنا، كنا نخطط للافتتاح فى مارس أو أبريل، ولكن حى الأزبكية أوقفنا بسبب إجراءات التراخيص، ومطلوب منا أوراقًا كثيرة، وهناك شكاوى كيدية قدمت ضدنا جارٍ التحقيق فيها حاليًا، ونتمنى أن يتم الافتتاح بعد رمضان».
وتابع: «الفن رئة يتنفس عبرها المجتمع، كنا قبل الحريق ننوى تخصيص دعم أكبر لعدد أكبر من الفرق، وزيادة المبالغ المخصصة لدعم المسرحيات، حيث المسرح يجمع الناس دائمًا وأبدًا».