القوة الناعمة.. ومواجهة الفتن
تشهد بلادنا حالياً حالة متسارعة من القضايا المثارة على الساحة الداخلية، والتى تتعلق بالعديد من الأمور الدينية والاجتماعية والسياسية، والتى سرعان ما تجد صداها على صفحات التواصل الاجتماعى الواسعة الانتشار، بغض النظر عن كون الآراء المطروحة بها صائبة أو مضللة أو موجهة.. وللأسف فإنه قد يترتب على ذلك التأثير السلبى على المواطن البسيط، سواء على نفسه وعلى أسرته والتشكيك فى قوة إيمانه أو فى المعجزات الإلهية وأحياناً فى عقيدته وعبادته، وحتى عندما تتدخل المؤسسات الدينية للتصدى لتلك الهجمات الشرسة على ثوابت القرآن والسنة النبوية يكون الشك والريبة قد تسلل إلى النفوس والتخبط والتفكير السلبى قد تسلل إلى القلوب.
لقد تغير العديد من ثوابت القيم والمبادئ والمثل العليا، خلال تلك السنوات، التى أعقبت أحداث يناير 2011 بصورة غير مسبوقة، حيث أصبح العنف هو اللغة السائدة فى الشارع المصرى قولاً أو فعلاً، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعى التى كان يسيطر عليها تنظيم الإخوان الإرهابى بما له من خبرة فى مجال نشر الفتن والدسائس بين أبناء الوطن ميداناً مفتوحاً لنشر الأكاذيب وافتعال الأحداث التى تؤجج النفوس وتشعل الغضب بين البسطاء من أهل مصر.. وللحق نقول إنهم أجادوا بالفعل في استخدام تلك الأساليب من أساليب "القوة الناعمة"، بعدما فشلوا فى مواجهة الضربات الأمنية الناجحة التى وجهتها لهم أجهزة الأمن والقوات المسلحة المصرية.
وها نحن نرى الشارع المصرى الآن وقد سيطرت عليه معارك غوغائية تتسم بالانفلات ابتداء من إهانة الأديان وانتهاء بضرب الزوجات مرورًا بفضائح الزواج والطلاق وحرب التسريبات التى تشكك فى أمانة ونزاهة البعض وجميع ما يحدث يسبب وبلا شك تأثيراً سلبياً على ذلك الجيل من الشباب الذى يتخبط بين هؤلاء وهؤلاء.. من الصادق ومن الكاذب؟... أين الحقيقة؟.. إن هذا الجيل يتعرض حالياً لعمليات تشويه وإنكار تفترس عقله.. ومن يتصدرون المشهد من الجانبين مجموعة من المغامرين الذين يطرحون القضايا بسطحية أحياناً وباحترافية أحياناً أخرى تتصدى لهم مجموعة أخرى فاقدة أدوات التحليل والرؤية الصائبة أو يمتلكون مفاتيح المواجهة، إلا أنهم يفتقدون القدرة على الإقناع.. وهنا ترتفع الأصوات ويفتى الناس جميعهم بدون علم أو حكمة وتنتشر على صفحات التواصل الاجتماعى الاتهامات والتهكمات ويكون الرابح الحقيقى هو من يريد أن يرى المجتمع المصرى وقد انقسم على نفسه وتصبح لغة التفاهم والحوار ضائعة بين الجميع ويكون الخلاف هو سيد الموقف إلى أن تتفجر قضية أخرى يتصدى لها أيضًا فاقدو الأهلية فكراً ووعياً وأمانة، وهو ما يزيد من حيرة وضياع هذا الجيل الذى لا يعرف الكثير عن دينه الصحيح ويجهل تاريخه ولا يجد من ينير له الطريق ويصحح له تلك المفاهيم المغلوطة مع انتشار تلك الفوضى الإعلامية وغياب المصداقية.
لقد أصبحنا فى حاجة ملحة إلى تفعيل دور قوتنا الناعمة على كل المستويات والأصعدة، سواء الدينية أو الاجتماعية أو السياسية وأصبح من اللازم وجود الكوادر القادرة على مواجهة تلك الهجمات الشرسة التى تتعرض لها عقائدنا وقواعدنا.. كما أنه يجب أن تكون تلك الكوادر قادرة على الحوار ومقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة دون صراخ أو عويل أو مقاطعة أو مصادرة على الآراء والتمسك بحجج واهية غير مقنعة على أن يكون ذلك من خلال ذات القنوات الفضائية التى تقدم تلك البرامج الحوارية التى تناقش هذه القضايا الجدلية والتى تثير الرأى العام.. ومن هنا فإننى أقترح ما يلى:
- ضرورة تكوين فرق عمل متكاملة ومتجانسة من رجال الدين للمشاركة فى مناقشة الأفكار المطروحة من قبل بعض الإعلاميين أو المفكرين، والتى تناقش موضوعات دينية دائماً ما يثار الجدل حولها.
- الاستعانة بمجموعة من الإعلاميين المقبولين شعبياً حتى ولو كانوا قد بلغوا سن التقاعد طالما لديهم القدرة على المناقشة والمحاورة والإقناع ولا مانع أيضاً من استضافة بعض الشخصيات العامة للمساهمة فى هذا المجال.
- تفعيل دور المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية، ومن بينها على سبيل المثال بيت العائلة المصرية، الذى أرى أن هناك دورا كبيرا يمكنه القيام به، خاصة فى المحافظات التى غالباً ما تتعرض لمحاولات الوقيعة والفتن بين أهلها.
مصرنا الغالية تحتاج إلى مجهودات صادقة ومخلصة للحفاظ على أمنها وتماسكها الداخلى وهو ما يستلزم أن يكون للقوى الناعمة المصرية فناً ورياضاً وإعلاماً وندوات ولقاءات دور كبير فى تحقيقها.
وما زال للحديث بقية.. وتحيا مصر.