اغتيال يوسف السباعى
في هذا الشهر فبراير 2022، تمر الذكرى الرابعة والأربعين لواقعة اغتيال الكتاب المصري المعروف يوسف السباعي، صاحب البصمات على الحياة الثقافية المصرية، ومؤسس نادي القصة الذي اغتالته يد الغدر، والذي راح ضحية اقتناعه بالسلام. كان اغتياله بشعًا وينم عن انحراف في مسار النضال الفلسطيني، الذي وظف نفسه للاغتيالات وقتل المعارضين.
ففي صباح يوم السبت 18 فبراير 1978 نزل يوسف السباعي من غرفته الكائنة بالطابق الخامس بفندق هيلتون متوجهًا إلى قاعة مؤتمر منظمة التضامن الأفرو-آسيوي الذي كان أمينها العام، في نيقوسيا بقبرص، وكان المؤتمر قد بدأ بالفعل برئاسة الدكتور فاسوس ليساريدس، نائب سكرتير المنظمة ورئيس الحزب الاشتراكي القبرصي، توقف السباعي في تلك الأثناء أمام منفذ بيع الكتب والجرائد المجاور لقاعة المؤتمر، وحينها أطلقت عليه ثلاث رصاصات أصابته في مقتل، فارق يوسف السباعي الحياة، وسرعان ما تناقلت وكالات الأنباء الخبر.
سافر السادات إلى القدس في نوفمبر عام 1977 مما أثار عدد من الدول العربية، وقامت بقطع علاقاتها مع مصر. رافق السباعي الرئيس السادات في رحلته بصفته رئيسا لتحرير جريدة الأهرام، وبعد نحو ثلاثة أشهر سافر السباعي إلى قبرص، رغم كل التحذيرات من اغتياله.
استشهد الكاتب الكبير يوسف السباعي بأيدي 16 من الكوماندوس الفلسطينيين بسبب زيارته لإسرائيل عام 1977 مع الرئيس السادات، وقتل معه عدد من المصريين.
قام قاتلوه باختطاف مجموعة من الرهائن من الأجانب والعرب، وقاموا بتقسيمهم إلي مجموعتين، مجموعة تضم الأوروبيين، والثانية تضم العرب، وقاموا بإطلاق سراح الأجانب وأبقوا العرب وعددهم 12 واعتبروهم رهائن، ومنهم عدد من المصريين هم: حسين رزق سكرتير يوسف السباعي، الروائي إدوار الخراط، وبهية كرم حسين رزق، بهيج نصار، كمال بهاء الدين، والدكتور نجيب أبوالليل والأخير تمكن من الهرب من الإرهابيين قبل إقلاع الطائرة، وطلبوا من السلطات القبرصية توفير طائرة لنقلهم خارج قبرص وتم تدبير الطائرة، وحاول الإرهابيون الهبوط في سوريا أو ليبيا ولكنهم لم يتمكنوا لرفض سلطات الدولتين السماح لهم بالهبوط في مطاراتهما، وتمكنا من الهبوط في جيبوتي.
حاولت مصر إرسال الكوماندوز إلي جيبوتي، ولكن الطائرة بعد أن تزودت بالوقود أقلعت من المطار وعادت مرة ثانية إلي قبرص، وبالتالي توجه الكوماندوز المصريون إلي قبرص، وهناك حاولوا الانقضاض على الطائرة التي فيها الرهائن لتحريرهم، وبالفعل أطلقوا عليهم النيران، وفي تلك اللحظة أنقضت عليهم نيران القبارصة، وقتلت 15 من القوات المصرية وجرحت 16.
بالطبع كانت مهزلة وكان قرارًا متسرعًا من الرئيس السادات دفع عدد من المصريين أرواحهم فيه، لم يؤخذ فيه رأي الدكتور بطرس غالي، وزير الدولة للشئون الخارجية المصري في ذلك الوقت.
ولد يوسف السباعي في العاشر من يونيو عام 1917 وفي منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، التحق بالكلية الحربية في نوفمبر عام 1935، وبعد تخرجه فى الحربية تم تعيينه في سلاح الفرسان وأصبح قائدًا لفرقة من فرق الفروسية، وقام بتدريس طلبة سلاح الفرسان في الكلية الحربية، ثم أصبح مدرسًا للتاريخ العسكري عام 1943، ليتم اختياره بعد ذلك مديرًا للمتحف الحربي عام 1952، تدرج في العديد من المناصب حتى وصل لرتبة عميد. كانت هوايته الأدب، فنشر عدد من المجموعات القصصية وأعقبها بكتابة عدد من الروايات، ولما قامت ثورة يوليو 1952، كان واحدًا من رجالها، ثم ترك القوات المسلحة، وانضم إلى قافلة الثقافة المصرية، بدأ السباعي مسيرته في العمل العام بإنشاء نادي القصة ثم تولى مجلس إدارة ورئاسة تحرير عدد من المجلات والصحف، منها: روز اليوسف، آخر ساعة، دار الهلال، الأهرام، وفي عام 1977 أصبح يوسف السباعي نقيبًا للصحفيين، كما تولى السباعي وزارة الثقافة المصرية.
كتب يوسف السباعي روايات: ابتسامة على شفتيه، أرض النفاق، إني راحلة، بين الأطلال اذكريني، جفت الدموع، رد قلبي، السقا مات، طريق العودة، العمر لحظة، فديتك يا ليلي، في موكب الهوى، لست وحدك، ليل له آخر، نادية، نحن لا نزرع الشوك، كما تحولت بعض تلك الروايات إلي السينما، وهي: إني راحلة، رد قلبي، أرض النفاق، نحن لا نزرع الشوك، جفت الدموع، السقا مات.
كما قدم يوسف السباعي للمسرح العربي (أم رتيبة 1951)، (وراء الستار 1964). (جمعية قتل الزوجات 1965)، (أقوي من الزمن 1971)، (أوبريت الحرب والسلام 1974). كان السباعي صديقًا للرئيس السادات، وأحد الضباط الأحرار، دفع ثمن تأييده لمبادرة الرئيس السادات بزيارة القدس عام 1977، فقتله الفلسطينيون، كان ضمن وفد مصر في مؤتمر التضامن الأفرو أسيوي، وهي منظمة تعتبر إحدى بقايا الفكر اليساري وتهتم بالكتاب الأفرو أسيويين.
لم يجد يوسف السباعي التقدير الكافي من النقاد، إلي الحد الذي أغفل الدكتور حمدي السكوت تقديمه ضمن أعمدة الرواية العربية في موسوعته عن الرواية العربية الحديثة، واكتفي بإدراجه ضمن الآلاف من كتاب الرواية المصريين والعرب، دون الإشادة بدوره وما قدمه من روحه فداء لحرية الرأي.
وكان السكوت قد أشار إلي مقدمة الموسوعة إلي عدد من الروائيين المصريين، وتحدث عنهم وعن أعمالهم، وفي مقدمتهم إبراهيم الكاتب ومحمد حسنين هيكل وتوفيق الحكيم وعبدالحميد جودة السحار وعلي أحمد باكثير وعادل كامل وعبدالرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وفتحي غانم. ثم عرج على كتاب جيل الستينات، كما أشار إلي عدد من الكتاب في بعض الدول العربية متناسيًا يوسف السباعي. تحية لروح الكاتب الكبير.