خليل حنا تادرس: بعت «شيطان الحب» بخمسة صاغ.. والنيابة صادرت أعمالي بسبب كلمة (حوار)
توفى أمس الروائي والقاص ملك البيست سيلر وأديب المراهقين الكاتب خليل حنا تادرس عن عمر ناهز الـ83 عاما، وكانت «الدستور» قد أجرت حوارًا مع الروائي الراحل.
كان الأشهر في منتصف الثمانينات، وزعت رواياته داخل مصر وخارجها، بعد أن أثارت جدلًا كبيرًا في تلك الفترة، وساعد على ذلك القضية التي رُفعت ضده لمصادرة اعماله، من أحد اصحاب مكتبات الكتب الإسلامية بعدما حصل على فتوى من علماء الدين الكبار آنذاك.
صدر له حوالي ثلاثمائة كتاب، فهو غزير الإنتاج، يواصل الكتابة مهما كانت الظروف والأحوال، بين فترة السبعينات والتسعينات استطاع ان ينشر حوالي مائة وخمسة عشر كتابًا في مختلف المجالات، الأدب، والتنمية البشرية، والمعرفة وعلم النفس والسيرة الذاتية وغيرها.
بعد أن وصل لسن الثمانين عامًا، لم يعد ظهوره كالفترات السابقة، لا يخرج إلا للضرورة الملحة والقصوى، يقضي أوقاته في الكتابة ولا شىء آخر يشغل باله ويثقل كاهله، كانت "قعدة الجمعة" على مقهى زهرة البستان من بين تلك الضرورات التي تجبره على الخروج من بيته، فالتقت به «الدستور» وكان لنا معه هذا الحوار:
متي بدأت الكتابة؟
أنا من مواليد 2/6 /1939بمحافظة بني سويف، بدأت الكتابة عام1957، فكنت منذ طفولتي مغرمًا بعالم القراءة والكتابة، وبعد فترات كبيرة من القراءة بنهم، بدأت أكتب مجموعة من القصص، وفكرت في نشرها، واثناء تجوالي على دور النشر والمكتبات بالقاهرة، في شارع كلود بيه، تعرفت على أحد الناشرين يدعى«نصر عبيد» صاحب دار النشر الحديثة وأعطيته بعض قصصي وقال لي: "أسبوع وهرد عليك"، وبالفعل بعدها أخبرني ان كتابي في المطبعة، لكني لم أصدق وقولت في نفسي "جايز يكون بيهديني"، وبعد مرور خمسة عشر يومًا فوجئت بإعلان في الجرائد عن صدور لأحد الشباب "خليل حنا تادرس" بعنوان «شيطان الحب» وكان ثمنه 5 صاغ.
كم كان أول مبلغ حصلت عليه من بيع مؤلفاتك؟
«عشرين جنيه» هو أول مبلغ حصلت عليه من بيع المجموعة القصصية «شيطان الحب» ، وصلني طرد به شيك بمبلغ عشرين جنيه، وكان مبلغًا كبيرًا عام 1957، وبعدها توالى نشر أعمالي عن طريق نصر عبيد ومجموعة أخرى من دور النشر المختلفة.
متى بدأت فترة شهرة مؤلفاتك؟
تحديدًا في عام 1984 بعد صدور«نشوى والحب» وكان قد صدر قبلها حوالي ثلاثين كتابًا، لكن هذه الرواية وصل عدد مبيعاتها إلى 20 طبعة، أى حوالي مائة ألف نسخة، وساعد على تلك الشهرة القضية التي رُفعت ضدي بمصادرة أعمالي.
من كان صاحب القضية..وهل انتبه صاحب القضية بعد نشر ثلاثين كتاب لك فقط، أم هناك شيء آخر؟
كنت أقوم بتوزيع أعمالي ومؤلفاتي أحيانًا على بائعي الكتب، كوسيط أحياناً بينهم وبين دور النشر، وأحيانًا أوزع الكتب التي اطبعها على نفقتي الخاصة، وكنت اعطي البائعين خصم على أثمان تلك المؤلفات يصل إلى 50في المائة، في حين أن أصحاب مكتبات الكتب الإسلامية كان يعطون خصم عشرة بالمائة فقط، مما أثر على مقدار مبياعتهم اليومية في السوق، ورفع من أسهم مبيعاتي، فأحدث ذلك بيني وبينهم بعض الحساسية.
أما عن القضية فجاءت نتيجة لذلك،عام 1984، فصاحب أحد تلك المكتبات كان يريد شراء الكتب من دار الجيل بدون ثمن بطريقة أشبه بالسرقة ،وكنت أنا قد حصلت على توكيل لتوزيع أعمالها الأدبية في القاهرة، فحصل على فتوى من أحد كبار علماء الدين وقتها لرفع القضية بمصادرة أعمالي بحجة أنها تحتوى على كتابات جنسية ومنافية للآداب .
وما الذي حدث بعد ذلك، حدثنا عن ملابسات القضية ؟
من ناحيتي، كنت أحصل على تصريح بالموافقة من جه الرقابة على نشر كل كتبي وأعمالي من أول كتاب، وترسل الرقابة الأعمال الي الجهات الموزعة التي تفحص الكتاب أيضًا قبل نشره، ثم تبدأ في توزيعه، وكان معظمها جهات حكومية كأخبار اليوم والجمهورية والأهرام. لكني قمت بتوكيل المحاميين منير الديب وصلاح السهلي، وكلفني ذلك ألفين جنيه، ألف لكل منهم، لكن القاضي كان قاسيًا واصدر حكمًا بمصادرة الكتب وغرامة 500 جنيها، خاصة بعدما قرأ وكيل النيابة بعض ققصي وأشار إلى جملة "دي عندها العادة"، لكن بعد الاستئناف وأثناء وقوفي في المحكمة، قال القاضي: ايه التهريج ده، الكتب مفيهاش حاجة، جايب محامين اتنين عشان قضية زي دي؟" وحكم بالبراءة.
من فترة 1957 إلى 1994 وصل عدد مؤلفاتك المنشورة إلى مائة وخمسة عشرة كتابًا، كيف تم ذلك؟
- أنا لا أفكر في شىء في حياتي سوى الكتابة، فهي تجري في دمي، أكتب لمدة عشر ساعات يوميًا، لا أمل منها، وفي تلك الفترات كان يصدر لي كتاب كل أسبوع أو عشرة أيام، وساعدني في ذلك عملي بدار الجيل للنشر، فكان بها أكثر من عشرين ألف عنوان، فكنت أقرأ طوال الوقت في كل المجالات المختلفة.فأريد أن أموت والقلم في يدي.
ومؤلفاتي بيعت بخمسة قروش والآن صدر لي مجلدات عن التحليل النفسي لفرويد بألف جنيه.
هل حققت أى إستفادة أخرى من عملك بدار الجيل للنشر؟
نشرت لي دار الجيل للنشر العديد من المؤلفات حوالي 50 كتاب، أما عن تولي مسؤليتها في القاهرة، فأفادني في تكوين عدد كبير من العلاقات بأصحاب دور النشر والأدباء، فكنت أوزع الكتب على أصحاب دور النشر كونها عملية تجارية وهي "البيع"، ونشرت أعمالي حتى فترة التسعينات في أكثر من 15 دور نشر، وصل عددهم الآن إلى 26 دارًا، من بينهم الدار العربية، والدار العالمية، دار الحياة، مكتبة رجب، كتابنا،دار القدس العربي، المختار، والأدباء بحكم ترددهم على المكتبة لشراء الكتب.
ما هي طقوسك في الكتابة؟
ليست لدي أية طقوس للكتابة، أدخل إلى غرفتي التي يوجد بها أكثر من خمسين قلمًا للكتابة، بالإضافة إلى عدد ضخم من الكتب والمجلات المتنوعة والمختلفة، وأبدأ في الكتابة، لمدة عشر ساعات، يتخللهم وقت قليل للراحة، وعندما أنتهي اجلس على مقهي أمام منزلي لمدة لا تزيد عن نصف ساعة لتدخين حجر شيشة.
من مصمم الأغلفة لكتبك؟
أنا الذي أصمم أغلفة كتبي، وأرسم الرسومات الداخلية لها، كنت أحضر المجلات وأقص منها الصور التي تناسب عنوان المجموعة القصصية أو الكتاب، وتكون هذه هي الغلاف.
هل تجيد الرسم؟
نعم.. ولي بعض اللوحات الزيتية التي رسمتها وكان معظمها لوحات دينية، كما أنني رسمت كل الرسومات الداخلية لكتبي.
أنت متهم بالكتابات الجنسية المبتذلة..ما هو ردك؟ وما هو مفهوم الجنس المبتذل بالنسبة لك؟
- لا اكتب كتابات جنسية مبتذلة إطلاقًا.. فلن تجد في قصصي سوى القبلات والأحضان، بالإضافة إلى ان نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم من الكتاب كتبوا عن الجنس، كما أنني أحصل على تصريح بنشر كتبي من الرقابة، فأنا لا أوزع كتبي "تحت الترابيزة".
أما الجنس المبتذل، فهو الذي يحتوي على الألفاظ ولن تجد في أعمالي أى لفظ جنسي صريح، كما أن القارىء يقبل على شراء أعمالي وهذا أحسبه تصريح بأن اعمالي ليست جنسية أو مخلة و«مش عيب أكتب عن الجنس طالما بيفيد القارىء».
أيهما أهم بالنسبة لك.. الرقابة أم القارىء؟
- ما دام وافقت الرقابة على الكتاب، بالتالي سيكون خاليًا من أى شىء يصدم القارىء، ورأي القارىء في الدرجة الأولى اعرفه من التوزيع الكبير التي كانت تصل إليه مجموعة مؤلفاتي، فوصلت إلى خمسة آلاف كتاب في الطبعة الواحدة ، ووصل كتاب "نشوى والحب" إلى 20 طبعة أي حوالي مائة ألف نسخة وكان ثمه في البداية 10 قروش وبعدها وصل إلى 15 قرش وهكذا.
تحدثت عن كتابات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ..هل جمعت صداقة بهم؟
من فترة 57 حتى الآن عاصرت كتاب وآدباء كثيرين، كنت أحب على وجه خاص الروائي إحسان عبد القدوس، فكنت أذهب إلي مقر عمله في جريدة روز اليوسف وأهديه نسخ من أعمالي، فيستحسن أعمالي، وكان يشجعني على الاستمرار في الكتابة، فأنا اعتبره في المقام الاول استاذي.
وكنت أذهب إلى ندوة نجيب محفوظ في كازينو قصر النيل، لكن لم تجمعني به علاقة وكان من اصدقائي الدكتور عبد العزيز شرف الذي كان مشرفًا على الصفحة الأدبية بالأهرام، والدكتور عبد المنعم خفاجي، ومحمود شلبي.
من أول من كتب عنك وأشار إلى كتاباتك وأعمالك ؟
أنيس منصور أول من كتب عني في مقال بجريدة أخبار اليوم، في سطور قليلة، قال فيها إني كاتب موهوب وشاب وينتظره مستقبل كبير.
وماذا عن علاقتك بالفنانة صباح؟
- طبعت لها كتابًا بعنوان «صباح»، كان ثمنه أربعين قرشا، وسافرت إلى لبنان وتعرفت عليها، وكان لها شقة في العمارة التي كان بها مقر دار الجيل في لبنان، وجمعتني بها صداقة كبيرة، وكنت احضر حفلاتها في فندق الشيراتون، وبعد الحفلة نجلس سويًا، وكانت إنسانة مرحة، وتتجاوب في الحديث مع الجميع، ثم تبدأ في الغناء والدندنة، لكن كان لها أزمة مع بنتها "هويدا" التي انشقت عنها، وحزنت "صباح" جدًا عليها، خاصة وان بنتها لم تكن تتجاوز العشرين عاما آنذاك، وبعد ذلك انشغل كل منهم بعالمه، "صباح" في عالم الغناء والحفلات، و"هويدا" في عالم آخر.
كيف تم اللقاء بينك وبين العندليب؟
علاقتي بعبد الحليم بدأت عن طريق الشاعر مجدي نجيب الذي كان يؤلف الاغاني للعندليب، فكنت التقي به في مطبعة الدار المصرية الحديثة، التي كنت أطبع بها مؤلفاتي، وكنا تبادل الكتب لكل منّا، وذات مرة اعطي مجموعة نسخ من اعمالي لعبد الحليم حافظ، وكان من بينها" نشوى والحب"، "لا تغلق الباب"، فأبلغني ان العندليب يريد مقابلتي وذهبت إلى منزله بالمهندسين وجمعتنا جلسة حوار طويلة، لكن لم يجمعني به أى موقف بعد ذلك. وكان في نفس العمارة التي بها مطعبة الدار الحديثه بميدان لاظوغلي، يسكن الشاعر صلاح جاهين، فكنت التقي به في المكتبة وفي ذلك الوقت كان ابنه "بهاء جاهين" ما زال طفلًا.
ما رأيك في كتابات الشباب هذه الأيام ؟
أقرأ بعض الأعمال المنشورة لهم، وأتابعها، لكن معظمها «تهريج»، ونادرًا ما أجد عملًا يروق لي، وأتابع بوجه خاص الروائي «أحمد مراد».
لماذا تعتبر "قعدة الجمعة" من الضرورات الملحة التي تجبرك على النزول من بيتك؟
لأنني استعيد فيها الذكريات، خاصة وبها من يقرأون أعمالي السابقة والحالية، كما أن معظم روادها من الأدباء الكبار الذين تسعدني مقابلتهم ولقاءهم.