خريطة أصناف جديدة.. كيف يمكن امتصاص تأثير التغيرات المناخية على المحاصيل؟
تسببت جائحة فيروس كورونا في حدوث طفرة جنونية في أسعار السلع، ولكن ما تشهده الأسواق المصرية حاليًا من ارتفاع شديد في أسعار السلع الموسمية، جاء نتيجة للتغيرات المناخية التي أثرت بشكلٍ بالغ على إنتاجية المحاصيل، حيث أكد المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، أن ارتفاع الأسعار الحالي جاء بسبب زيادة نسبة التضخم الخارجي الذي وصل إلى 35% في مصر.
ما مدى تأثير التغيرات المناخية على إنتاجية المحاصيل الحقلية، وكيف يمكن امتصاص تلك التأثيرات في الفترات المقبلة؟ ومن المتضرر؟، في السطور التالية تجيب "الدستور" عن تلك الأسئلة بالتحدث إلى مركز البحوث الزراعية، وعدد من الخبراء بالمجال الزراعي.
خريطة أصناف جديدة
يقول عادل عبدالعظيم، نائب رئيس مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة المركز التطبيقي الأول والأكبر في الشرق الأوسط، في تصريحات خاصة لـ"الدستور" إن مصر من أوائل الدول التي تعي بخطورة التغيرات المناخية ومدى تأثرها على إنتاجية المحاصيل الحقلية، ومن ثم أنشأت مصر منذ 30 عامًا المعمل المركزي للمناخ، ليكون محطة أرصاد تتنبأ بالتغيرات المناخية وتأثيرها على المحاصيل الحقلية.
وتعد مصر أولى الدول التي لجأت لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة، نظرًا لما تشهده مصر من حدوث طفرات بمعدل التعداد السكاني الذي لا يتناسب مع المساحات المنزرعة من الأرضي، إلى جانب الشح المائي، وذلك لمحاولة تقليل التأثير الضار الناتج عن التغيرات المناخية على المحاصيل.
وزارة الزراعة استنبطت مجموعة من الأصناف المقاومة للظروف المناخية غير المناسبة، التي تتحمل الملوحة الشديدة، الجفاف، الأمراض ، والحشرات على قدر المستطاع، لافتًا إلى أنه عندما تكون الصادرات المصرية للخارج، معرضة للاستخدام المكثف للمبيدات، يتم رفضها في الخارج، وهو ما استطعنا تجنبه عبر السنوات الماضية.
أصبحت التغيرات المناخية أمرًا واقعًا يؤثر تأثيرًا بالغًا على المحاصيل بشكل يؤدي إلى انخفاض متوسط إنتاجية تلك المحاصيل الحقلية بالكامل، حيث نجحت السياسات المصرية في الحد من تلك التأثيرات، وأنشئت مصدات الرياح بالأراضي الجديدة، لمحاولة لإنتاج المحاصيل الحقلية قصيرة العمر، إلى جانب تحسين الأصناف المنزرعة بالأراضي المصرية، من خلال استيراد أصناف جديدة تتحمل الظروف المناخية، ويكون متوسط إنتاجيتها ثابت.
وأشار في ختام حديثه، إلى أن التغير المناخي يؤثر على الإنتاج الحيواني، موضحًا أن الظروف المناخية غير المناسبة تقلل من إنتاجية الأعلاف اللازمة، ومن ثمَّ تؤثر بشكل ضار على الإنتاج الحيواني ونوه في نهاية حديثه، إلى أن الأزمة الناشئة بين دولتي أوكرانيا وروسيا اللتان تعدان من أكبر الدول الى تمد مصر بسلاسل الغذاء، ستؤثر بدورها على حجم إمدادها لمصر وغيرها من البلدان، ومن ثم تعمل الدولة جاهدة لتلاشي تلك العقبات من خلال زيادة المساحات المنزرعة، فتح أسواق جديدة.
تأثير التغيرات المناخية على المزارعين
"مع آذان الفجر، استيقظ عبدالوهاب من نومه، وتناول إفطاره، ثم ارتدى عباءته، وهمَّ بالذهاب إلى أرضه التي لا تبعد كثيرًا عن بيته، إذ يتفاجأ بفرط سنابل القمح على الأرض، نتيجة لهبوب رياح شديدة ليلة أمس، لتنهمر الدموع من عينه على مجهودٍ شاق دام شهورًا، أملًا في حصاده آخر الموسم".. تلك الكلمات يرويها عبدالوهاب عبدالحق شريف، مزارع متضرر من التغيرات المناخية، يقطن بمحافظة الوادي الجديد.
وأضاف، أن التغيرات المناخية التي تشهدها مصر في تلك الآونة كانت لها أضرارًا بالغة على المزارعين، وعلى المستهلك أيضًا، من حيث تضرر المحاصيل الحقلية، ومن ثمَّ غلاء الأسعار، كما أثرت في توقيتات زراعة المحاصيل، موضحًا ذلك بمثال، نبات القطن، الذي كان يُزرَع في مارس ونحصده في شهر فبراير، يزرع حاليًا في شهر إبريل ويحصد في شهر أغسطس.
تغيير أوقات زراعة المحاصيل
وفي السياق، يقول دكتور حسام رضا، خبير زراعي ومدير عام الإرشاد الزراعي السابق، لـ"الدستور" نشهد في تلك الفترات تغيرات مناخية قد تؤثر بدورها على حجم إنتاج المحاصيل الزراعية، نتيجة للتذبذب الملحوظ في درجات الحرارة بين الارتفاع والانخفاض الشديد، والذي قد يؤثر بدوره في تغيير التوقيتات المحددة لزراعة المحاصيل الزراعية في مصر.
وأضاف، أن التغير المناخي يؤثر بدوره على إمكانية زراعة بعض الأصناف، معلقًا: "لاحظنا سابقًا إنتاج ضئيل لمحصول "المانجو"، نتيجة للارتفاع الشديد وغير المسبوق في درجات الحرارة في التوقيت الذي يتم فيه التلقيح والعقد ومن ثمَّ، لم نتمكن من الإنتاج الكافي منه"، منوهًا بأن التغير المناخي من حيث درجات الحرارة وتساقط الأمطار وزيادة نسبة الرطوبة غير المسبوق قد يغير الخريطة الصنفية لزراعة النباتات في مصر.
وعن مدى تأثير التغير المناخي على إنتاج المحاصيل الحقلية، يقول حسام رضا: "إن التغير الملحوظ في الظروف المناخية أدى بدوره إلى نقص حجم الإنتاج الزراعي، حيث الإنتاج الضئيل من بعض الأصناف الزراعية التي لم تتحمل تلك الظروف، ومن ثم الارتفاع الشديد في الأسعار، كما قد ينتج عن هذا التغير خروج بعض الأراضي عن الزراعة مثل منطقة شمال الدلتا".
وأكد الخبير الزراعي، أن "مركز البحوث في صدد إنشاء خريطة صنفية جديدة من النباتات التي تتحمل التغيرات المناخية الجديدة، كي نكون على أتم استعداد في مواجهة التغيرات المناخية المفاجئة"، مشيرًا إلى ضرورة تمويل مركز البحوث الزراعية، ولاسيما تضافر الجهود المبذولة بين الجامعات ومراكز البحوث الزراعية لإنتاج خريطة صنفية جديدة قادرة على وضع مواعيد جديدة لزراعة الأصناف المناسبة.
وأردف حسام رضا، أن الخريطة الصنفية لزراعة المحاصيل الحقلية ستسهم بدورها في امتصاص التأثيرات الناتجة التغير المناخي، إذا طبقت بالشكل الأمثل لها، معلقًا: "إحنا لو وضعنا المواعيد المناسبة لزراعة النباتات، إنتاجنا هيزيد مثال لذلك الأمطار بتدينا فرصة لزراعة أماكن تانية كنا بنزرع فيها بوجود ريات تكميلية، مثل منطقة مرسى مطروح وشمال سيناء".