في ذكراه أندريه جيد قطب من أقطاب فن القصة النفسية في فرنسا
يعتبر من أقطاب فن القصة النفسية في فرنسا، إنه الكاتب الفرنسي أندريه جيد، والذي تحل اليوم الذكري الواحدة والسبعين لرحيله عن عالمنا، حيث توفي في مثل هذا اليوم من العام 1951. ورغم اضطرابه الدراسي إلا أن أندريه جيد الحصول علي الدكتوراة الفخرية من جامعة أكسفورد، وأن ينال جائزة نوبل للآداب عام 1947.
عاني أندريه جيد خلال طفولته من المعاملة القاسية، من قبل في عائلته البورجوازية البروتستانتية، وتلقى تربية قاسية ومتزمتة بسبب وفاة والده وهو صغير السن حيث أمه فنورمندية كانت متسلطة. كان أندريه معتل الصحة، وكان منذ صغره يشعر أنه مختلف عن الآخرين.
أنجز أندريه جيد الكثير من الأعمال، من أبرزها رواية "المزيفون"، "سيمفونية الحقول"، "قوت الأرض"٬ و "البوابة الضيقة". كان "جيد" من الذين تيسر لهم الكثير من المال مما وفر له فرصة للتفرغ إلي القراءة والاطلاع علي كل الإنتاج الأدبي الفرنسي والعالمي، وأيضا الاطلاع علي نظريات فرويد في التحليل النفسي التي مكنته من القدرة علي النقد.
عاش أندريه جيد فترة طويلة بين الجزائر وتونس ليتعرف عن قرب علي المسلمين والعرب وعن تقاليدهم وعاداتهم، كما ربطته صداقة قوية بالريفيين البسطاء، وهو ما يتجلي بوضوح في روايته "اللأخلاقي".
عرف القراء العرب أندريه جيد من خلال ترجمات رواياته: "أقبية الفاتيكان ــ الباب الضيق ــ والمزيفون والتي قدم ترجمتها العربية لأول مرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين .
يري أندريه جيد أن حقيقتنا تكمن في الغرائز التي تكبحها التربية، وعندما لا تجد لها متنفسا فإنها تسمم عقولنا وتحول الأخلاقيات الظاهرة إلي مجرد نفاق ورياء.
ناصر أندريه جيد الشيوعية ودافع عنها واعتبرها خلاص العالم، لكنه بعد رحلة إلي الاتحاد السوفيتي عاد ليكتب واحدا من أشد النصوص وضوحا وقسوة في إدانته لــ "الستالينية". وظل يكتب ضد السياسة الاستعمارية وعنصرية وفوقية الرجل الأبيض.
وعن زياته تلك إلي الاتحاد السوفيتي وانطباعاته عنها، يقول الناقد "إبراهيم العريس": الحقيقة أن أندريه جيد، حين توجه في أواسط سنوات الثلاثين في تلك الزيارة إلى موسكو كان محملاً بالأفكار الإيجابية عن الاتحاد السوفياتي. كان متفائلاً إلى درجة أنه قال قبل السفر: "ليس ماركس من يقودني إلى موسكو، بل الإنجيل!"، محاولاً أن يقول بهذا أن المسيحية الحقيقية هي التي تقود الماركسية في بناء الشيوعية على الطريقة الموسكوفية. ونعرف هنا أنه حين عاد من بلاد السوفيات عاد مختلفاً في تفكيره تماماً، عاد ليقول بالحرف الواحد "إن أخشى ما يخشاه ستالين إنما هو الناس الأنقياء وأولئك النحيلون البائسون". وكان المعنى واضحاً. وهكذا ما إن نشر جيد كتابه "عودة من الاتحاد السوفياتي" الذي يتأرجح بين التحقيق الصحافي والدراسة ويحمل كل أنواع الفضائح الستالينية وتعبيرات خيبة أمل جيد الذي يعترف بأنه لم يرَ في تلك البلاد أي شيء مما كان يقال له عنه. وهكذا اندلعت المعركة بينه وبين الشيوعيين الذين أنكروا أية قيمة أدبية له ناسين أن ترجمة أي كتاب له إلى "اللغة" الروسية الأم كانت تصل في مبيعاتها إلى نحو 400 ألف نسخة، أي ما يفوق مبيعات أي كتاب له حين يُنشر في الفرنسية. صار الرجل وبسرعة "عدو التقدم والفكر والإنسان"، عدواً "لا قيمة له أصلاً" و"ننصح الناس الطيبين الأحرار بعدم قراءة السموم التي يكتبها".
برع أندريه جيد في تصوير ما يتنازع نفوسنا من العواطف والانفعالات، وكيف يصارع الإنسان منا بين إلتزامه الأخلاقي وبين رغباته، ولعل أوضح ما تجلي في رواياته حول هذا الأمر ما جاء في روايته "المزيفون"، حيث يقول جيد: "الكسل أجهل ما نجهل من شهواتنا. وهو أفتكها وأختلها رغم أن عنفه لا يحس ومضاره خفية جدا. والراحة التي نستشعرها من جرائه تهبنا متعة خفية تشل فجأة أمضي العزائم وأحسم القرارات، ولكي نعطي فكرة حقيقية عن هذه الشهوة يجدر بنا أن نقول إنها سكينة للنفس تعزيها عن كل خسائرها وتعوضها عن طيباتها."