الشاعر سعد عبد الرحمن يرصد "آداب الجريمة" في كتابه التحديق في الظلال
في كتابه الصادر حديثا عن دار النسيم للنشر والتوزيع، وضمن مباحثه المتعددة، يتناول الشاعر سعد عبد الرحمن في المبحث الذي عنونه بـ "آداب الجريمة"، إطلالة علي المصطلح لغويا وإصطلاحيا تعريفيا، مرورا بتناول الشق القانوني عن الجرائم، وتشريح علمي النفس والاجتماع لها، وصولا إلي نظرية العالم الإيطالي "سيزار لمبروزو"، والذي يري أن الجريمة والنزوع السلوكي إلي الإجرام أمران مرتكزين علي الجبلة الإنسانية فالإنسان عنده شرير بفطرته، مجرم بطبعه.
وفي سرد تاريخي لظاهرة الجريمة بوصفها ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الوجود الإنساني علي الأرض، مستدلا بأول جريمة وهي قتل قابيل لأخيه هابيل. مشيرا إلي أنه كان فيما مضي آداب مرعية لكل مجال من مجالات الحياة، حتي أن مجال الجريمة من لصوصية وقتل ونصب واحتيال وغير ذلك كان له آدابه التي أطلق عليها أحد الكتاب "أخلاقيات الجريمة". فمن أداب اللصوصية مثلا ألا يسرق اللص من المنطقة التي ينتمي إليها بل من الآداب التي ينبغي عليه مراعاتها ولا يستطيع التنصل منها أن يمنع غيره من اللصوص أن يسرقوا منها، ومن أداب النشل ألا يطمع النشال في غير ما في المحفظة أو الكيس الذي نشله من نقود أما ما قد يجده من أيديهات ومستندات أو أوراق شخصية أو عائلية فإنه يعيدها إلى صاحبها بالبريد أو يتركها أمام أحد مخافر الشرطة.
ويدلل "عبد الرحمن" علي هذه القواعد بقصة لص أمريكي سرق ذات مرة سيارة سيدة دخلت إلى احد محال البقالة الكبيرة للتسوق وتركت طفلها الرضيع داخل السيارة ولما اكتشف اللص في أثناء سيره الأمر عاد سريعا بالسيارة إلى حيث أخذها تاركا بجوار الطفل رسالة تقريع وتوبيخ لأمه.
كما أن لصا ألمانيا اقتحم منزلا لسرقته فوجد به مربية أطفال مع طفلين صغيرين دفعتهما براءتهما إلى تقديم حصالتي نقودهما إلى اللص متوسلين إليه ألا يؤذيهما أو يؤذي المربية فاعترت اللص من تصرف الطفلين حالة خجل شديدة جعلته يسارع بالخروج من المنزل بعد أن أفرغ كل ما بجيوبه من نقود في حجر المربية، ومن آداب القتل أخذا للثأر ألا يقتل طالب الثأر طفلا أو امرأة ولا يطمع القاتل فيما قد يكون مع ضحيته من أموال وإن كثرت أو مقتنيات مهما كانت نفاستها، ومن آداب اللصوصية أيضا أن لكل لص تخصصه لا يتعداه إلى تخصص غيره فيزاحمه عليها و إن أغرته المغريات فالنصاب لا يعمل عمل النشال والنشال لا يعمل عمل الهجام (حرامي الشقق والبيوت) والهجام لا يعمل عمل حرامي الغسيل وهكذا.
ــ القاموس السري بين المجرمين والشفرات المستخدمة بينهم
ويلفت مؤلف كتاب "التحديق في الظلال" إلي أنه: كما أنه كان لكل طائفة من طوائف المجرمين قاموس سري خاص (سيم) يتعاملون به فيما بينهم وقد ألحق محمد لطفي جمعة - وهو من كبار المثقفين المصريين في النصف الأول من القرن العشرين - في نهاية كتابه "مباحث في الفولكلور" قاموسا لملاحن السوقة ومنها قاموس أو "لحن النشالين والحرامية" كما يسميه.
ومن أداب اللصوصية كذلك الالتزام بخطة السرقة وعدم الإخلال بأية جزئية منها، فإذا فوجئ مثلا الهجام بأن في البيت أو الشقة التي خطط لاقتحامها وأعد العدة لسرقتها أحدا لم يكن يتوقع وجوده ألغى عملية السرقة من الأساس أو أجلها إلى وقت أخر يكون مناسبا أكثر، أما الآن فإن الحرامي قد يضيف إلى جريمة السرقة جريمة أنكى وأفدح فعندما يفاجأ بمن لم يتوقع وجوده بالبيت أو الشقة فإنه يقتله لئلا ينم عليه حتى إن كان رجلا مسنا أو امرأة أو طفلا.
وبعض أرباب الجرائم قد تكون لديه غاية أخلاقية سامية من وراء اقترافه لجرائمه وهذا أمر قديم نجد عليه أمثلة كثيرة في ثقافتنا وفي الثقافات الأخرى، فعروة بن الورد الصعلوك الشهير في العصر الجاهلي مثلا كان يغير على القبائل ويسطو على ذوي الغنى واليسار من العرب ولكنه لم يكن يستأثر بغنائم غاراته وسطواته فيستحوز عليها أو على أغلبها وحده بل يوزعها على الفقراء من رفاقه وأهل قبيلته.