في عيد الحب.. أحمد الشهاوي يكشف من هم «سلاطين الوجد»
يأتي كتاب "سلاطين الوجد "للشاعر والكاتب الصحفي أحمد الشهاوي، الصادر نهاية الشهر الماضي عن الدار المصرية اللبنانية، كرحلة معرفية امتدادا لمشروعه النثري في الكتابة حول وعن العشق الصوفي.
ويجاور" سلاطين الوجد" الكتب الأبرز والأهم التي تؤرخ للوجد وسلاطينه وتوثق لتاريخه، وذلك عبر كشف المطموس والغائب والمهمش عن سلاطين الوجد في هذا الكتاب يذهب الشاعر أحمد الشهاوي لاعادة بناء، وتنظيم وترتيب غرف القلوب، ويأخذنا في رحلة معرفية غرضها الذهاب إلى الحب الذي يقودنا نحو الصفاء والارتقاء.
و يقول الشهاوي في مقدمته للكتاب، لتستطيعُ أن تقولَ الآن أجدني أعرفُ ما هو الحُب ؟، فقد جُبِلت القلوبُ إلى حُبِّ من أحسنَ إليها، وكلُّ إنسانٍ هو جُزءٌ من مملكةِ أو دولةِ الحُب الصُّوفي، ما دام قلبه ينبضُ ، ورُوحُه تسعى هو سلطانُ نفسه ، يحميه هذا الحُبُّ من الضياع، مثلما يحمي المملكة أو الدولة التي يعيشُ فيها من الاندثار أوالموت أو التفكُّك أوالتشرذُم، فالحُب الصُّوفي اكتمالٌ وبناءٌ وسُمو وخَلْق للإنسان الكامل.
ويلفت الشهاوي إلى أن "هذا الكتابُ يسهمُ في إعادة بنائِك ، وتنظيم رُوحك من جديدٍ، يرتِّب غرفَ قلبك ، ويجعله يذهبُ حيثُ الحُب الذي يقودُ الإنسانَ نحو الصَّفاء والارتقاء، فما الحُبُّ العذريُّ إلا تصوفٌ أو طريقٌ إليه، وما الحُبُّ إلا مقام إلهي، لأنَّ " المحبَّة أصلُ المقامات والأحوال "، و" أكمل مقامات العارفين "، و الذات العليا للإله تتمثل في الحُب وبالمحبة يقتربُ الإنسانُ من الله .
وفي الحُبِّ يُعوِّلُ المرءُ على القلبِ أكثر مما يُعوِّل على العقلِ فالحُبُّ الصُّوفيُّ أصلُ وجُود الحُبِّ في العالم لأنه مظهر للحُب الإلهي، إذ إنَّ الحُبَّ بطبيعته "أصل الموجودات "، والمتصوفة هم أهلُ المحبَّة وينسبون إليها والحُب عند المتصوف أسلوب حياة ، ودليل المعرفة الصوفية التىي تعكس حال القلوب السامية .
ومن أجواء الكتاب تقرأ
استحق المتصوفة لقب ( السلطان ) ؛ لأنهم سلاطين زمانهم ، ولأن كل سلطان صوفي يرى نفسه سلطان زمانه ، أو هو بالفعل هكذا ، فقد وقع الصدام بينهم وبين " سلاطين السياسة " من الخلفاء والحُكَّام والأمراء ، ولذا عاش سلاطين الصوفية تحت سيف هؤلاء المتسلِّطين ، فكانت النتيجة المباشرة أنَّ منهم من قُتِل ، ومنهم من سُجِن ، ومنهم من نُفِي ، ومنهم من عُذِّبَ وأُهِين.
وقد كان أوائل الصوفية ينفرُون من السَّلاطين والأمراء ، وأنا هنا أقدِّم ثلاثةً من سلاطين الوجْد ، عشتُ معهم زمنًا ممتدًّا من حياتي ، ومع آخرين أثَّرُوا فيَّ ، وأثْرُوا تجربتي ، وسأخصِّص لهم كتبًا ، وأنا لا أكتبُ عن مُتصوفةٍ أحبُّهم بقدر ما أكتبُ عن أهلٍ لي ، كان لهم فضلٌ كبيرٌ عليَّ منذ صِباي في قريتي كفر المياسرة ؛ حيث سلكتُ الطريقَ الصُّوفيَّ في سنٍّ مبكِّرة ، والمتصوفة الثلاثة محور هذا الكتاب هم : ذو النون المصري ، وأبو بكر الشبلي ، والنفَّري ، الذي عاصر المتنبي وتوفي معه في سنةٍ واحدةٍ هي 354 هـجرية /965 ميلادية ، رأيتُ أنهم كانوا سلاطينَ في زمانهم ، ولهم سطوةٌ رُوحية على من عاصرهم . وكانت كلمتهم مسموعةً عند الناس ؛ لأنهم لم يتقرَّبوا من سلطانٍ جائرٍ ظالمٍ ، ولم يتربَّحوا منه .
إنهم أربابُ الحقائق ، وليسوا من " أهل الظَّاهر" أو" أهل الرُّسُوم " ، إنَّهُم " رجال قطعهم الله إليه وصانهم صيانة الغيرة عليهم ؛ لئلا تمتد إليهم عين فتشغلهم عن الله . لقد انفردوا مع الله راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم مع الله طرفة عين " بتعبير محي الدين بن العربي ، الذي كان من ضمن أسمائه " سلطان العارفين " ، مثلما كان اسم عمر بن الفارض " سلطان العاشقين ".