إعادة أممية لتعريف التقدم فى عالم يسوده القلق
في ظلال أزمات وتحديات النزاعات والأوبئة، التصعيد العسكري، وغياب الوعي الأممي، لدلالات القوى العظمى وهي منها على مفاصل حياة البشرية في الألفية الثالثة، التي تنحدر وسط ركام وتحولات رقمية وصحية ومناخية واجتماعية، الظاهر منها تغييب قيمة ووعي الإنسان وتراث البشرية في هذا الكون.
بيانات جديدة وتحليلات، مصدرها مختلف قارات العالم، أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، خلاصتها أفرزت في تقرير أممي، ينبئ بالخطر القادم ببطء، وربما بتسارع عشوائي، يؤشر على انخفاض شعور الناس بالأمان والأمن إلى أدنى مستوياته في كل بلد تقريبًا.
.. وأنه، يعاني ستة من كل سبعة في جميع أنحاء العالم من الشعور بعدم الأمان،
إلى هنا، يضعنا التقرير في زاوية حرجة، كدول نامية، أو طريقها نحو الاستقرار والتنمية المستدامة، فيقر الحال أن:"حتى المواطنون الذين يعيشون في البلدان التي تتمتع ببعض أعلى مستويات الصحة الجيدة والثروة ونتائج التعليم، يبلغون عن قلق أكبر مما كانوا يشعرون به قبل عقد من الزمن".
بين ترقب، واستقراء منهجي، ومرحلة من استشراء التخوف من المستقبل، قال أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "على الرغم من أن الثروة العالمية أكبر من أي وقت مضى، فإن غالبية الناس تشعر بالقلق بشأن المستقبل، ومن المحتمل أن تتفاقم هذه المشاعر بسبب الجائحة".
وكعادة المنظمات الدولية، الأممية، التي تديرها مواثيق الأمم المتحدة، يرى إنمائي الأمم المتحدة: "في سعينا لتحقيق النمو الاقتصادي الجامح، نواصل تدمير عالمنا الطبيعي بينما تتسع التفاوتات، داخل البلدان وفيما بينها. لقد حان الوقت لإدراك المؤشرات التي تدل على معاناة المجتمعات من ضغوط هائلة، وإعادة تعريف ما يعنيه التقدم في الواقع".
والناظر في عنوان التقرير، يذهل من فكرة تجمع هموم التنمية المستدامة، والخوف والتحويل الرقمي، وصدمة جائحة فيروس كورونا، كوفيد-19، التي جعلت العنوان غريبًا: "التهديدات الجديدة للأمن البشري في الأنثروبوسين/Anthropocene "، إنها حقيقة، مؤلمة تدعو إلى مزيد من التضامن عبر الحدود لمعالجة الشطر بين التنمية والأمن المتصور.
تاريخيًا، جادل عالم المناخ القديم والبروفيسور ويليام روديمان ببدء حقبة الأنثروبوسين المقترحة منذ نحو 8000 عام مع تطور الزراعة والثقافات المستقلة، وذلك في حين أن الكثير من التغير البيئي الذي يحدث على الأرض يُشتبه في أنه نتيجة مباشرة للثورة الصناعية. كان البشر منتشرين في جميع القارات في هذه المرحلة (باستثناء القارة القطبية الجنوبية) مع استمرار الثورة الزراعية. طور البشر الزراعة وتربية الحيوانات خلال هذه الفترة لاستكمال أو استبدال الصيد وجمع الثمار المستمر. تلت هذه الابتكارات موجة من الانقراض بدءًا من الثدييات الكبيرة والطيور البرية. كانت هذه الموجة مدفوعة بالنشاط المباشر للبشر (مثل الصيد) والعواقب غير المباشرة لتغير استخدام الأراضي للزراعة.
ولتقريب الدلالة العلمية، تعد أن حقبتى الأنثروبوسين والهولوسين شغلتا نفس الفترة الزمنية الجيولوجية أو فترتين متزامنتين من الماضي إلى الحاضر، واعتبر آخرون أن الأنثروبوسين هو حقبة أحدث قليلًا.
وبحسب ويكيبيديا، يدعي روديمان أن الأنثروبوسين، ذا التأثير البشري الكبير على انبعاثات الغازات الدفيئة، لم يبدأ في العصر الصناعي بل منذ 8000 عام عندما طهّر المزارعون القدماء الغابات لزراعة المحاصيل. واجه عمل روديمان في المقابل تحدي بيانات مسجلة من فترة بين تداخل سابق لدورين جليديين (المرحلة 11، منذ نحو 400000 عام)، تشير إلى أنه يجب مرور 16000 عام قبل انتهاء هذا التداخل الهولوسيني الحالي، لذا فإن النظرية بشرية المنشأ غير صحيحة. علاوة على ذلك، فإن الحجة القائلة بأن «شيئًا ما» ضروري لشرح الاختلافات في الهولوسين تواجه تحدي الأبحاث الحديثة التي تُظهر اختلاف جميع الأدوار الجليدية.
.. وببساطة الأنثروبوسين، هي حقبة مقترحة يعود تاريخها إلى بداية التأثير البشري الكبير على جيولوجيا الأرض والنظم، بما في ذلك، على سبيل المثال غير المحدود، تغير المناخ البشري المنشأ.
مع وضد هذا الفهم، قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نظرة جديدة، تدعو إلى اتباع نهج جديد للتنمية يأمل في أن يساعد الناس على العيش متحررين من العوز والخوف والقلق والإهانة.
شتاينر، قاد فريق البحث، وقال: "نحن بحاجة إلى نموذج تطوير مناسب للغرض يتم بناؤه لحماية كوكبنا وتعافيه وتوفير فرص مستدامة جديدة للجميع".
هنا يجب أن نذكر أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ذكر مفهوم الأمن البشري لأول مرة في تقرير التنمية البشرية التاريخي الذي أصدره عام 1994.
أشارت الدراسة إلى خروج جذري عن الفكرة القائلة إنه يجب تقييم أمن الناس من خلال النظر فقط في الأمن الإقليمي، وبدلًا من ذلك يجب أن تأخذ في الاعتبار احتياجاتهم الأساسية وكرامتهم وسلامتهم ليعيشوا حياة آمنة.
عمليًا، إثر جائحة تفشي فيروس كورونا، مع ظهور سلاسل المتحورات، يعتقد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن حتمية العمل الآن لم تكن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. للعام الثاني على التوالي، أدت الجائحة إلى انخفاض متوسط العمر المتوقع عند الولادة، فضلًا عن مقاييس أخرى للتنمية البشرية الشاملة.
هل سيموت الكون، بموت ملايين البشر؟، الأمر غائم، يحيلنا خيال السينما والآداب العالمية، ومنها العربية، التي لفتت إلى أن تغير المناخ من المحتمل، أو لنقل من الممكن (....) أن يصبح سببًا رئيسيًا للوفاة في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن يكون مسئولًا عن 40 مليون حالة وفاة قبل نهاية القرن، حتى مع التخفيف المعتدل للانبعاثات.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تعمد إطلاق مخاطر " التهديدات الأخرى" التي أصبحت أكثر بروزًا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك التهديدات من التقنيات الرقمية، وتزايد عدم المساواة، والصراعات، وقدرة أنظمة الرعاية الصحية على مواجهة التحديات الجديدة مثل الجائحة، وإن التصدي لهذه التهديدات سيتطلب من صانعي السياسات النظر في الحماية والتمكين والتضامن إلى جانب بعضها البعض لكي يعمل الأمن البشري والاعتبارات الكوكبية والتنمية البشرية سويًا وليس في الاتجاه المعاكس.
أساكو أوكاي، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ومديرة مكتب الأزمات التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يأخذنا إلى زاوية مختلفة، مسلطًا الأضواء على الحاجة إلى بناء شعور أكبر بالتضامن العالمي على أساس فكرة الأمن المشترك.
فما هو هذا "الأمن المشترك"، في ظل مخاوف العديد من الرؤى الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية؟.
"أوكاي" تعول: "يدرك أن المجتمع لا يمكن أن يكون آمنًا إلا إذا كانت المجتمعات المجاورة كذلك. هذا شيء نراه بوضوح تام مع الجائحة الحالية، الدول عاجزة إلى حد كبير عن منع الطفرات الجديدة لهذا الفيروس التاجي من عبور الحدود".
عالميًا، وربما في القارات التي تعيش أزمات متباينة، يعد الارتباط القوي بين انخفاض مستويات الثقة والشعور بعدم الأمان، حالة تنذر بالخطر؛ فالأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من انعدام الأمن البشري المتصور هم أقل بثلاث مرات من غيرهم في اعتبار الآخرين جديرين بالثقة.
ربما نجح الجهد الأممي في تفسير أسباب اتساع الفجوات في أنظمة الرعاية الصحية بين البلدان، فالتقرير يكشف عن أنه بين عامي 1995 و2017، تفاقم عدم المساواة في أداء الرعاية الصحية بين البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة والعالية جدًا.
عربيًا، وفي دول العالم الثالث، يفهم الأمن والأمان بقدرتنا على توفر رغيف الخبز، والطموح لموئل.. وربما الخلاص من ضبابية المستقبل.