ياسر الغبيري يطرح أسئلة شائكة حول «ثورات الفوضى الخلاقة» في كتابه الجديد
طرح الباحث والكاتب الصحفى ياسر الغبيري، عددا من الأسئلة الشائكة في كتابه الجديد "ثورات الفوضى الخلاقة.. الخطاب الأخير" الصادر عن مركز إنسان.
ويشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الثالثة والخمسين في الثانية بعد ظهر الأحد المقبل 6 فبراير، حفل توقيع كتاب "الغبيري"، بحضور عدد كبير من الخبراء والكتاب والصحفيين.
وفي تصدير الكتاب يقول الغبيري: "كلما عَظُمَت الأحداث في تاريخ الأمم، كلما كانت التحولات سريعة ومتلاحقة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وما من مجتمع يمر بتحولات كُبرى كأحداث الحروب والثورات، إلا وكان لهذه الأحداث تأثيرها على عاداته وتقاليده وسلوكياته، إن إيجابًا أو سلبًا، ولكن المُتحكّم في طبيعة هذه التحولات والمُحدد الأول لمسارها هو فهم ما حدث، لماذا وكيف حدث؟ وهو المُنطلق الأول الذي تبدأ الأمم على أساسه بناء طريق نهضتها بعد هزة عنيفة؛ سواء خارجية مثلما حدث مع اليابان في أغسطس 1945، حين قصفت الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية، أو داخلية مثلما حدث في فرنسا إبان الثورة الفرنسية. وبطبيعة الحال مثّلت الثورات العربية نوعًا من التغيرات الكُبرى في العالم، حيث أعادت تشكيل الخريطة السياسية الدولية وما تضمه من تحالفات".
ويردف الكاتب "في العام 2011 اندلعت موجات ثورية في أغلب بلدان العالم العربي وهو أمر ليس من قبيل الصدفة، فمن غير المنطقي أن يكون هناك اتفاقًا بين شعوب هذه البلدان مجتمعة على أن يكون العام 2011 عام الثورات العربية. رغم هذا التحرك العربي المُتزامن، لم يكن مخططًا لهذه الثورات الشعبية بشكل جيد على الأرض من قِبل الشباب - الذين خرجوا بعفوية وتلقائية واندفاع لغايات ومطالب مشروعة - وكذا لم يكن لهذه التحركات رأس أو قيادة شعبية، لذا تحولت لتحركات فوضوية لم تأت بالنتائج المرجوة منها شعبيًا، وأصبح القتل والتدمير ثمرتها الآثمة التي تلقّفتها الجماعات المتطرفة التي طفت على السطح بشكل مفاجئ وسريع ومنظم في خضم الأحداث؛ وكأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة للظهور والإعلان عن نفسها".
ويستطرد الغبيري: "لذا بات المواطن العربي الذي نزل إلى الشارع والميدان، أملًا في الخلاص من نظام قامع ومؤرق، ساعيًا ومُطالبًا بنظام أكثر حكمة وعدالة، لا يعرف ماذا حدث، ولماذا تطورت التحركات الشعبية بهذا الشكل الدموي والهمجي؟ وبات السؤال يطرح نفسه، تُرى من المتسبب في هذه الفوضى الكُبرى؟
المواطن العربي البسيط – ربما لم يُمارس السياسة مُطلقًا – فتح ذراعيه للشوارع والميادين يحمل أمالًا عريضة في الوصول لحال أفضل مما كان عليه، مؤمنًا بالمقولات الكُبرى لهذه الثورات، (الحرية، والكرامة، والعدالة الإجتماعية) وزد عليها مفردة (عيش) التي هتف بها ثوار مصر دون غيرهم من البلدان العربية".
ويرصد المؤلف المشهد، "كان هتافهم (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، ومفردة (عيش") مفردة كاشفة، تحمل أكثر من دلالة وتنفتح على أكثر من تأويل، فالـ(عيش) في اللهجة العامية المصرية يُقابل مفردة "الخبز"، وهي دلالة على أن المواطن المصري خرج ليُطالب برغيف الخبز، وإن كان توظيف المفردة بهذا القصد قوي في معناه، مُحملًا بالمرارة ويُبرهن على المُعاناة، ومبررًا لقوة وعنفوان التحركات الشعبية، دافعًا لها، إلا أن الدلالة الأكثر قوةً وعنفوانًا، وأكثر اتساقًا ومنطقية، هي طلب الـ(عيش) بمعنى الحياة، وهو تأويل آخر لاستخادم مفردة "عيش"، وهي دلالة تنفتح على أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية كانت قد ضيّقت الخناق على المواطن حد الموت، فخرج صارخًا في وجهها مطالبًا بالـ"عيش"، مُطالبًا بالحياة، مُطالبًا بـ"الحرية، والكرامة، والعدالة الإجتماعية"، إلا أن هذه الحرية تحولت إلى تشريد على السواحل الأوروبية، والكرامة أصبحت تبيت في مُخيّمات مُقبضة على حدود تركيا، والعدالة تجسّدت في تغذية الجماعات المتطرفة بالأسلحة بشكل متكافئ لتُكمل مهامها في تدمير ما تبقى من أطلال هذه الأوطان التي تحولت ثوراتها من باب لجنة خضراء تحلم الشعوب بالولوج إليها، إلى جحيم قضى على الوجود الفاعل والبقاء الآمن - لبعض - هذه الأوطان.
ويختتم الغبيري، "هدأ الشباب الثائر، ورحلت الثورات وتركت خلفها أشباه أوطان وبقايا دول، ووقف المواطن العربي يُقلّب كفيه لا يعرف ماذا حدث، هل الثورات من فعل هذا بأوطانه وأحلامه أيضًا؟ هل مطالبته بحقوقه السبب في كل هذا الخراب والدمار؟ الإجابة المنطقية لا. ليست الثورات سببًا فيما حدث وما سيحدث، لا سيما إن كانت ثورات بيضاء، ترفع شعار السلمية وتبتغي أهدافًا نبيلة، قبل أن ينقض عليها المنتفعون وتُجار الدين والسياسة. إذن ما السبب؟ ومن المُتسبب فيما حدث؟".