المستشار محمد خفاجي في دراسة جديدة: «الإبداع لا يعني ابتعاد أهل الفن عن مشكلات المجتمع»
أوضح المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، أن الفن لا يمكن أن يعيش بلا حرية، وهو وثيق الصلة بالصراع بين الخير والشر والقبح والجمال قوام الحياة الإنسانية، وتثير بعض الأعمال الفنية من بين الحين والأخر صخبا مجتمعيا كبيرا إذا ما مست تقاليد المجتمع وأخلاقياته من وجهة نظر الرأى العام ولا يراه الفنانون كذلك مما يثير التشابك بين الطرفين ويلزم فض هذا التشابك من طرف محايد بسياج القانون المنظم لحياة المجتمعات .
وجاء ذلك خلال دراسة أجراها بعنوان: «مدى حرية الفن بين محاكمة الإبداع والمقومات الأساسية للأمة المصرية»، وأثار فيها التساؤل حول مدى حرية الفن، هل يتجرد من كل شئ ويصبح مطلقا أياً كان أم يتقيد بضوابط تحد من حريته لصالح المجتمعات.
نعرض الجزء الرابع والأخير من تلك الدراسة لفض التشابك بين الرأى العام وأهل الفن فى خمسة عناصر، هي:
أولاً: الإبداع لا يعني استقلال أهل الفن بعيداً عن مشكلات المجتمع
يقول المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى، إن الإبداع لا يعني استقلال أهل الفن بذاتهم بعيداً عن مشكلات المجتمع، بل إن حقيق الإبداع يكمن فى الخوض في مشكلات المجتمع والعيش فيه بالتناول وبالتحليل والتفسير والنقد والقدح والمعالجة للبحث عن حلول مبتكرة مستجدة والأخيرة هى رسالة الفن الحقيقي الهادف، وإذا كان الإبداع عملاً فرديا أو جماعياً فهو رسالة مجتمعية تبغى الارتقاء بالمجتمع لرفع بنيته المعنوية نحو الأفضل، ومن ثم فإن الفنان الحقيقى الذى يعيش خالدا بين جمهوره هو الذي يجب أن يتجاوز ذاتيته الشخصية ورؤيته النفسية ليعبر بهما عن حقيق مجتمعه ليضيف إليه معان مستجدة من الإيجابية والتقدم والرقى والفضيلة ولو على حساب ما يعالجه من مظاهر الرذيلة والجريمة ليستشرق المجتمع به ويساهم فى القدرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل .
ثانياً: المبدع لا يكرر أفكار غيره
يضيف خفاجى، أن الإبداع الفنى أو الثقافي هو عبارة عن موقف حر واع من الفنان والمبدع يتناول فيه ألوانًا من الفنون والثقافات تتعدد أشكالها وصورها، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلا يتناول ما هو نقل كامل عن آخرين، ولا ترديد لآراء وأفكار يتداولها غيره بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة، وأن ينحلّ عملاً ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا.
وأضاف أنه لو لم يكـن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدة، وأن يتخذ كذلك ثوبًا ماديًا فعمل الفنان المبدع لا ينغلق به استئثارًا، بل يتعداه إلى الناس انتشارًا ليصبح مؤثرًا فيهم برسالته، فحرية الفن والإبداع صار تشجيعها مطلوبًا عملاً بالدستور الذى تكفل لكل مواطن مبدع بحرية الإبداع الأدبى والفنى والثقافى مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكداً بذلك أن لكل فرد مجالاً حرًا لتطوير ملكاته وقدراته ، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاؤها كافل لحيويتها، فلا تكون جثة هامدة دون حراك، وهى تكون جثة فنية لا فائدة ترجى منها إذا خلت من ثمة رسالة ايجابية تبعثها للمجتمع من وراء العمل الفني.
ثالثاً: الإبداع يجب أن يكون في إطار قيم المجتمع وتقاليده
ألا يمس أخلاقيات المجتمع وعقائد الناس، ورسالة نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية للنهوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى والمحافظة على التراث الإنساني والقومي والمصري والعربي بين الأصالة والمعاصرة، ورسالة أكاديمية الفنون الاتجاه بها اتجاها قومياً يرعى تراث البلاد وأصالتها:
يقول المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، إن “الفن بما يحمله من إبداع لا ينفصل عن حرية التعبير، بل هو من روافدها، يتدفق عطاءً عن طريق قنواتها، وإذا كان القضاء يؤمن بأن قهر الإبداع هو عدوان مباشر عليه، فإنه وبذات القدر يؤمن بأن حرية التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصوص عليها قانونا يجب أن يظل الإبداع الفنى والثقافى خلالها في إطار قيم المجتمع وتقاليده وألا يمس أخلاقيات المجتمع وعقائد الناس ومقدساتهم الدينية التى تحوط لها الدستور وكفل حمايتها”.
ويشير نائب رئيس مجلس الدولة، إلى أنه وفقا للقانون رقم 35 لسنة 1978 فى شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية هناك ثلاث نقابات معنية بالفن بوجه عام هى:
ويضيف المستشار خفاجى، أن المشرع فى القانون رقم 158 لسنة 1981 بشأن تنظيم أكاديمية الفنون اختص أكاديمية الفنون بكل ما يتعلق بتعليم الفنون والبحوث العلمية التي تقوم بها معاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضارياً، كما تسهم في رقي الفكر والفن والقيم الإنسانية والاتجاه بالفنون اتجاها قومياً يرعى تراث البلاد وأصالتها وإعداد المختصين في المجالات التي تختص بها، كما تعمل على توثيق الروابط الثقافية والفنية مع الأجهزة المشتغلة بالفنون في الوطن العربي والدول الأجنبية على الصعيدين المحلي والعالمي. وذلك فى جميع معاهد الأكاديمية وهى: المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) والمعهد العالي للسينما. والمعهد العالي للباليه، والمعهد العالي للموسيقى العربية، والمعهد العالي للنقد الفني، والمعهد العالي للفنون الشعبية.
ويختتم المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، دراسته موضحا أن المشرع الدستورى كفل حرية الإبداع الفنى والأدبى بموجب المادة (67) من الدستور وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، بحسبان أن الإبداع هو عمل ذهني وجهد خلاق- علميًا كان أم أدبيًا أم فنيًا أم ثقافيًا - ليس إلا موقفًا حرًا واعيًا يتناول ألوانًا من الفنون والعلوم تتعدد أشكالها.