الازهر وتجريم التنجيم
بدعوة كريمة من الأزهر الشريف شاركت مؤخراً فى فعاليات ملتقى مركز الأزهر العالمى للفلك الشرعى وعلوم الفضاء تحت عنوان "صناعة التنجيم والابراج بين العرف والشرع والفلك".
والحقيقة إننى لم أكن أتوقع هذا الزخم من الأهتمام وتلك الكوكبة من كبار العلماء ورجال الدين والفكر والثقافة....كذلك لم أكن أتوقع أهمية وخطورة هذا الموضوع إلا بعد الاطلاع على الأحصائيات العددية لمتابعى العرافين والمنجمين ومدعى الاطلاع على المستقبل من خلال متابعة حركة الأقمار والكواكب...حيث تبين من خلال دراسة إحصائية قدمها السيد مدير المركز أن متابعة الشباب لمضامين تلك الأبراج بلغ 64,6% من فئة الأستطلاع...ونسبة متابعى البرامج التليفزيونية التى تعرض تلك البرامج 24,7% وان نسبة المقتنعين بما يرد فى قراءات الأبراج تصل الى 40,4%...وبناءاً على تلك الاحصائيات تصدى جميع السادة المتحدثين فى هذا الملتقى لتلك الظاهرة مؤكدين على ضرورة توعية المجتمع بمخاطر التنجيم والكهانة لأثارها السلبية على الاستقرار المجتمعى والتلاعب بآلآم وآمال البشر حيث أن المفاهيم المغلوطة عن علم الفلك تؤدى الى إنحرافات عقائدية من بينها أن الأعتقاد بأن للحركات النجمية أثراً فى سعادة أو شقاء الناس وهو أمر منهى عنه....وانه لابد من إعمال العقل والبعد عن التقليد الأعمى المذموم وضرورة استقاء المعلومات من أصولها الصحيحة وأخبارها الصادقة والحواس المستقيمة.
ولعل أبرز ما جاء فى كلمة الدكتور/ على جمعه عضو هيئة كبار العلماء والذى شارك فى الملتقى أن التنجيم ينقسم الى قسمين وهما التأثير والتسيير ويعنى الأول ان للحركات النجمية أثراً فى حياة الناس وسعادتهم وشقائهم وهذا أمر منهى عنه حيث إننا لابد أن نعتقد إعتقاداً جازماً ان ما فى كون الله لا يسير إلا بما أراد الله وأى اعتقاد غير ذلك يعتبر شركاً بالله....أما التسيير فمعناه أن الله تعالى قد جعل حركة الشمس والقمر والنجوم سبباً فى تحديد فصول العام وبها يمكن الاستدلال على ما يحدث للنبات والحيوان والانسان والاجواء وهذا أمر يعرفه الكثير من العلماء بل ومن أهل الفلاحة والزراعة والارصاد الجوية وهو علم نافع ومحمود.
والواقع ان تلك الظاهرة – كما جاءت كلمتى فى الملتقى – قد بدأت فى الآونة الأخيرة تتسع بصورة غير مسبوقة حتى أن العديد من رسائل الاعلام المسموعة والمقروءة والفضائيات المختلفة تتسابق فى إستضافة من يدعون أنهم من علماء الفلك المطلعين على حركة الأجرام السماوية والاقمار المدارية حيث يسهب هؤلاء فى طرح توقعاتهم أو رؤاهم على ضوء ذلك العلم الزائف الذى لا يستند الى حقائق علمية مؤكدة واحياناً تتسبب توقعاتهم فى إحداث توترات وقلق للانسان العادى بل قد تتعدى ذلك اذا كانت تلك التنبؤات تتناول الاوضاع الداخلية فى دولة معينة مثل حدوث انقلاب بها أوموت رئيسها مثلاً....واللافت هنا انه رغم كل تلك التحذيرات إلا أن هناك حالات من التهافت على هؤلاء المنجمين الذين يحققون ارباحاً طائلة من وراء ما يقومون به .
والحقيقة ان المشرع المصرى لم يتناول ظاهرة تضليل المجتمع بطريقة التنجيم إلا فى موضعين عرضيين وليس موضعيين مباشريين...
-الأول:اذا استغل المنجم قدرته فى السيطرة على المجنى عليه وسلب ماله فإنه يعاقب وفقاً للمادة رقم 336 من قانون العقوبات بحسبانها جريمة نصب فقط.
-الثانى:اذا استخدم المنجم القوة الذهنية أو البدنية فى السيطرة على المجنى عليه لهتك العرض فإنه يعاقب وفقاً للمادة رقم 268 تحت بند استخدام القوة لهتك العرض.
اذن فهى جريمة بلا قانون فى التشريع المصرى فى حين ان هناك العديد من الدول العربية قامت بتجريم ظاهرة التنجيم صراحة فى تشريعاتها المختلفة.
ومن هذا المنطلق فقد جاءت توصيات هذا الملتقى المهم والتى اعلنها فضيلة الاستاذ الدكتور/ نظير عياد امين عام مجمع البحوث الاسلامية لتؤكد وتشدد على ما يلى:
-ضرورة سن القوانين والتشريعات التى تحد من ظاهرة التنجيم وأثرها السلبى على استقرار المجتمعات.
-ضرورة ان تولى المؤسسات الدينية والمجتمعية والاعلامية اهتماماً كبيراً بتلك الظاهرة من حيث اسبابها وأثارها وطرق معالجتها.
-التأكيد على ضرورة تناول الخطاب الدينى والدعوى قضية التنجيم والكهانة بشكل وسطى وأن تسهم ايضاً دور وهيئات الافتاء فى العالم لمواجهة استفحال تلك الظاهرة وذلك من خلال خطابها ومنصاتها الاليكترونية وعبر مواقع التواصل الاجتماعى.
وهنا أجدنى أرى انه من اللازم والمهم على ضوء نجاح هذا الملتقى ان يستمر الازهر الشريف لما له من مصداقية دينية دولية وداخلية فى نشر ذلك الفكر الوسطى والاستمرار فى عقد مثل تلك الملتقيات الثقافية والدينية التى سوف تسهم وبلا شك فى تحقيق الوعى والفهم الصحيح لاصول الدين الاسلامى الحنيف والبعد عن المعتقدات والانحرافات الفكرية المختلفة وهو الهدف الذى نسعى جميعاً الى تحقيقه تزامناً مع قيام الجمهورية الجديدة التى يرسى دعائمها
السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسى.... تلك الجمهورية التى سوف تقوم على مبادئ العدالة وحقوق الانسان والوسطية والاعتدال والتسامح والتآخى بين جميع اطياف الشعب المصرى الأصيل. وتحيا مصر.