استهداف شبكة أمان الاقتصاد المصرى
يظهر لاعبو السيرك ومؤدوه فى غاية الثقة، برغم خطورة الاستعراضات التى يؤدونها أمام الجمهور، بداية بقفزات مستحيلة، والرقص فى الهواء، والسير على الحبال حاملين أثقالًا تُنهك السائر الطبيعى أرضًا، ذلك لإدراكهم أنه فى حالة زلة أرجلهم، ستستقبلهم شبكة أمان تتيح لهم سقوطًا هادئًا غير مؤذٍ، لن يتسبب فى أن يلقوا حتفهم فى الغالب الأعم من الحالات.
وفى ظل قلة عدد الزلات التى يتعرض لها هؤلاء اللاعبون، والتى تعتبر حدثًا تترقبه الكاميرات فى حالة وقوعه، إلا أن الشبكة تظل مفرودة لاستقبالهم، لا يقلل ذلك من احترافيتهم ومهارتهم، بل على العكس يُضيف لها ويرفعها، انطلاقًا من الثقة التى يُكسبهم إياها وجودها، ذلك أنه يرفع عن كاهلهم خوفًا يُكبل حركاتهم فى حالة عدم وجودها، خشية وقوع المحظور، بما يجعل الوظيفة الأساسية لهذه الشبكة هى منع الخوف، وتحرير عقول اللاعبين منه، بما يتيح لهم أداء حركات واستعراضات، والإقدام على مخاطر لن يُفكر معظمهم فى أدائها فى ظل عدم وجود الشبكة، بما تتراجع معه وظيفة حفظ الحياة للمرتبة الثانية فى ظل أهمية وظيفة قهر الخوف.
يعمل القطاع المصرفى كشبة أمان للاقتصاد الوطنى، فدونه لن يتحرك أى من المستثمرين، ولا الدولة ابتداءً لصعوبة جمع التمويل، وثانيًا: لارتفاع مخاطر الاستثمار التى ستُكبل تحركات المستثمرين فى ظل ضآلة التمويل المتاح لهم، وما يتعضد معه من قيامهم باستثمار أموالهم الخاصة، القليلة فعليًا ونسبة إلى ما يستطيع القطاع المصرفى تجميعه من صغار المودعين، بالإضافة إلى أنه فى حالة عدم وجوده فإن الشركات وحتى الحكومات ستهوى دون أن تقابلها شبكة أمان تمنعها من الإفلاس، وتشريد العمال إذا ما تعرضت لصدمات وتقلبات الاقتصاد العالمى دورية الحدوث.
وقد نجح القطاع المصرفى المصرى، على مدار السنوات الـ١١ الماضية، فى تنصيب نفسه بحق كشبه أمان للاقتصاد المصرى بعدما أمن له الحياة، عقب سقوطه الحر إبان أحداث ٢٥ يناير، التى ضغطت على المؤشرات الاقتصادية الكلية؛ حتى كادت تخنقها، بعدما وصلت معدلات البطالة إلى نحو ١٣٪، ومعدلات النمو إلى ٢٫٥٪، ومستوى الاحتياط النقدى إلى ١٢ مليار دولار، تؤمن أقل من ثلاثة أشهر من الواردات الاستراتيجية.
وذلك عندما تحمل الجزء الأكبر من تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادى، خصوصًا عقب تحرير سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار، وتعامله بمهارة جراح محترف مع موجات التضخم المتوالية التى ضربت أسواق السلع والخدمات، عقب خفض الدعم على منتجات الطاقة، ليلامس التضخم فى عام ٢٠١٧ مستويات الـ٣٠٪. ولم يكتف القطاع المصرفى بتحمل تبعات برنامج الإصلاح، بل قدم الدعم لسائر القطاعات الإنتاجية، بما رفع نسب النمو قبل الجائحة فى ٢٠١٩ إلى مستويات ٥٫٦٪، وخفض البطالة إلى مستوى ٩٪، ورفع الاحتياطيات النقدية إلى ٤٥ مليار دولار، وهو الأعلى فى تاريخ البلاد، ما أمن لها ٨ أشهر على الأقل من واردات السلع الاستراتيجية.
وقبل أن يستريح القطاع المصرفى عاجلته أزمة جائحة كورونا فى ٢٠٢٠، بصدمة وصفتها المؤسسات الدولية الاقتصادية بأنها غير مسبوقة، حتى تجاوزت فى آثارها أزمة الكساد الكبير التى جوّعت الناس، وصفّت الشركات، وأفلست الحكومات، لكنه تلقى الأزمة والصدمة التى صاحبتها واقفًا على قدميه غير آبه بتداعياتها عليه أولًا، وموفرًا الدعم من جديد لقطاعات كانت ما لبثت أن حققت تعافيًا هشًا غير مستقر، ليتيح مئات المليارات من الجنيهات لها، ليؤمن لها طريق النمو، ويدفعها لتنفيذ مزيد من الاستثمارات رغم تواجدها فى عين العاصفة.
اليوم وبعد انتهاء الأزمتين، أدرك أعداء هذا الوطن أن أفتك الأسلحة، هى تلك التى توجه ليس إلا للاعبين فى الاقتصاد الوطنى ونفسيتهم، ذلك أن التأثير سيكون ضعيفًا فى ظل نجاحات القطاع المصرفى، لذلك توجهت ماكينة الدعاية المضللة والكاذبة إلى شبكة الأمان ذاتها التى يستمد منها الجميع ثقته، والتى تؤمن الحياة لقطاعات الاقتصاد المصرى قاطبة، ليبدأ عديمو الحيلة الترويج لمشاكل قلة السيولة بالقطاع المصرفى، الذى يمتلك ما يزيد على ٤ تريليونات جنيه من السيولة «٤٠٠٠ مليار» بل الترويج من جانب آخر لتعرض القطاع لأزمة عملة صعبة، فى ظل تغير السياسة النقدية العالمية، خصوصًا تلك التى يقودها الفيدرالى الأمريكى، برفع الفائدة، غير مدركين أن بعضًا من المصادر الخمسة لتدفقات العملة الصعبة للاقتصاد المصرى- على الرغم من الجائحة- قد وصلت أعلى معدلاتها التاريخية، مثل تحويلات المصريين فى الخارج، وإيرادات قناة السويس، هذا بالإضافة لمحورية مصر فى محيطها الإقليمى وعلاقاتها القوية للغاية مع أشقائها العرب، التى تؤمن لها تدفقات غير محدودة من العملة الصعبة فى حال ارتفعت الضغوط، وهو ما لا يتوقع حدوثه أساسًا فى ظل صلابة القطاع، والمساندة التى يتلقاها من السياسة المالية على الجانب الآخر من الاقتصاد المصرى.
محاولة أخرى ستبوء بالفشل كسابقاتها، ولا يسعنى إلا أن أذكر حضراتكم بما ادعاه بعض هؤلاء، من حدوث انخفاض حاد فى قيمة الجنية أمام الدولار؛ ليصل لمستوى ٢٥٠ جنيهًا للدولار الواحد، وهو الاتجاه الذى اتخذ الجنيه، منذ تاريخها، عكسه؛ ليظل على ارتفاع من مستويات الـ١٨ جنيهًا إلى مستويات حول ١٥٫٥ جنيه للدولار الواحد، بما يجعلنا واثقين أنه فى النهاية ستبقى مصر ويتطور اقتصادها، رغم كيد الكائدين.