نظرات ومراجعات في الفنون والتراث.. جديد ياسر منجي بمعرض الكتاب
يشارك الناقد والمؤرخ الفني الدكتور ياسر منجي، في فعاليات الدورة الثالثة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بعملين من مؤلفاته، الأول بعنوان "هاملت الجرافيك المصري - نحميا سعد"، والصادر عن مؤسسة الجزويت للنشر والإعلام، والكتاب الثاني والصادر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع بعنوان "نظرات ومراجعات في الفنون والتراث".
يتناول الدكتور ياسر منجي في كتابه "هاملت الجرافيك المصري - نحميا سعد"، بعض من السيرة الذاتية للفنان التشكيلي المصري نحميا سعد عبقريٌّ من أفذاذ الفنانين، تصالحَت عليه أرزاءُ الدنيا وقساوة البشر، واتَّخَذَ الفقر والجوعُ والمرضُ منه هدفًا لتسديد ضرباتهم القاصمة، لِيَذوي سريعًا في غَضارة العُمر، تاركًا خلفه – برغم ذلك كلِّه - علاماتٍ وَضيئةً على دَرب الإبداع المصري الحديث.
لمع "نحميا سعد" بقوة في فترةٍ وجيزة من حياته القصيرة، فوُجِّهَت له الدعوات الرسمية، وهو لا يزال بعدُ في الخامسة والعشرين مِن عُمرِه، لتمثيل مصر بأعماله في عدد من أهم المحافل الفنية العالمية، كان من بينها "معرض باريس الدولي" لعام 1937، و"بينالي فينسيا" لعام 1938.
وعلي الرغم من أن الباحثين في الشأن الجرافيكي المصري قد أحلوا الحسين فوزي مكان الصدارة بمعيار الأسبقية الزمنية لريادة الجرافيك المصري٬ إلا أن المراجعة المنصفة لتاريخ الرجلين سرعان ما تتكفل بإمالة كفة الريادة تجاه نحميا سعد.
وحين رحل "نحميا سعد" في رونَق الشباب، عن ثلاثةٍ وثلاثين عامًا، كان قد أقام – في سنواتٍ معدوداتٍ فقط - دعائم اتجاهٍ مصريٍ صميم في مجال الطباعة الفنية، فكانت حياته القصيرة الشقية بذلك نموذجًا فريدًا، يثبت أن الأستاذية في الإبداع ليست مشروطةً بالسِن، ولا بالظروف، ولا بِكَمّ الإنتاج، بل مشروطةٌ بأن يكون للفنان روحٌ وشخصيةٌ يُمَيِّزانِه عن غيرِه.
وحتى بعد رحيلِه، ظل "نحميا" نَسيًا مَنسيًا لدى مؤرخي الفن المصري ونقادِه، طيلة عقود الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، فلم يذكره أحدٌ إلا بعد وفاتِه بحوالَي سبعةٍ وعشرين عامًا! بفضل وفاءٍ نادرٍ لصديقٍ له، سعى لإحياء ذكراه من خلال معرضٍ استعاديٍّ، أقيم عام 1972.
وبرغم ذلك، ظل اسمُه يَتردَّدُ هامسًا، طيلة العقود الخمس الماضية، في عباراتٍ خاطفة، أو فقراتٍ قصار، أو إشاراتٍ عابرة، في مقالاتٍ معدوداتٍ، كُتِبَت بدافع حنين الأصدقاء أحيانًا، أو في فقراتٍ مُجْمَلَة، ضِمن مطبوعاتٍ وكتبٍ أطَلَّت إطلالًا سريعًا موجَزًا على مسيرة فن الجرافيك المصري. وبذا، حُرِمَت أعمال "نحميا سعد" من التوثيق، ومن التَتَبُّع الوافي لسِماتِها الجمالية ومعالمها الأسلوبية وخصوصيّاتها الأدائية.
ـ نظرات ومراجعات في الفنون والتراث
ويشير ياسر منجي في مقدمته للكتاب إلي: هي رحلة متعددة المحطات، متشعبة الوجهات والمآرب، وإن يكن قد انتظمها سياق واحد، هو سياق الانشغال بالفنون والتراث.
فعبر سنوات يصعب إحصاؤها، ظللت أطوف بين زوايا منسية، ومسالك مجهولة، وفضاءات تكتنفها ظلال الشكوك، ضمن خارطة تراثنا الإبداعي والثقافي، متلمسًا إجابات واضحة، من شأنها أن تعيد الاعتبار إلي المنسي وأن تتبعت المجهول من غياهب الفقدان، وأن تزيح غلالات الشكوك عن الملتبس والمراوغ في ركام هذا التاريخ الفني/ التراثي، الذي لا يزال يعاني من افتقاد التوثيق الدقيق، والافتقار إلى منهجية البحث التي تعيد مساءلة المستقر مما يعتقد أنه ثوابت.