الفقر و الحجاب
خلال زيارتي الاخيرة الى لبنان رصدت ازدياد لظاهرة الحجاب بين الفتيات والنساء في العاصمة (بيروت) وفي مختلف مناطقها السياحية وغير السياحية وبدا ذلك واضحاً أيضا في المطاعم بل وفي البارات وخلال الاحتفالات عامةً.
الحجاب ظاهرة موجودة ونرصدها في العالم أجمع وهو قرار يخص أصحابه ونحترم قرارات واختيارات وانحيازات الجميع ولكن فقط نطلق دعوة للتفكير وطرح التساؤلات ومحاولة ايجاد الاجوبة والتي هي ليست بمسلمات ولا تفرض على الغير.
وبالقياس لرصد ظاهرة الحجاب في مصر ونشأته وشيوعه ثم انحساره الملحوظ مؤخراً توصل بعض الباحثين والمعنيين بالشأن المجتمعي ان ظاهرة الحجاب ارتبطت وبشكل كبير واساسي بنزوح المصريين وهجرتهم لبلاد النفط والعمل في دول الخليج والتطبع بطباع شعوبه وثقافته في الملبس والمأكل وكان ذلك بالتزامن مع صعود الحركة الوهابية وانتعاش أذرعها في الخارج وبالتحديد ذراعها السياسي الذي تربى واختبىء بين طيات البلاد من خلال توغل جماعة الاخوان الملسمين وتغلغلها في كل مفاصل البلاد وذوبانها في المجتمع فذابت بين الناس وأذابتهم في ايديولوجيتها واطروحاتها التي اهتمت بالمجتمع والشأن المجتمعي بشكل كبير وأساسي وطرقت الابواب ودخلت الى البيوت وتغلغلت في حيوات الناس من خلال العمل المجتمعي والاجتماعي والاهلي والخدمي ومن خلال التبرعات والاموال التي منحوها للفقراء على سبيل الزكاة والصدقات والتبرعات التي تاتي من الخارج بل ومن جيوب الناس ذاتهم!
فالكل يبغي ويبتغي وجه الله ويعمل في سبيل الله فتبرعوا لهم ظناً منهم ان تلك التبرعات ستصل حقاً لجيوب الفقراء
ورعت الجماعات التي تفرعت عن تلك الجماعة- وكان لتلك الجماعات ادبياتها ان صح التعبير- وكل ٌّ طرح وعبر عن ذلك بنسيجه اللغوي وأدائه على الارض.. ومنهم من تزيد ومن تشدد ومن حمل السلاح ومن أرهب معنوياً وابتز الاخرين ورغبهم في الجنة ورهبهم من الجحيم.. ومنهم من قتل الناس على الارض وكفر غيره
توافر المناخ والتربة التي رعت كل ذلك جعل ظاهرة الحجاب تنبت وتنتشر وتترعرع في ذلك المناخ الخصب.. فالفقر والعوز كانا السبب الاساسي والرئيسي
لهجرة المصريين وغيرهم لبلاد النفط والدولار فتلك الهجرة كانت مدفوعةً ونتاج لذلك العوز والفقر
فلولا الفقر ما غادر أحد مكانه واغترب وتغرب باحثاً عن لقمة العيش والحياة الافضل
الفقر كان دافعاً اكيداً للتخلي عن اشياء في سبيل غيرها
الفقر هو من جعل الكثيرين يهاجرون ويكدحون ويتركون بلادهم ونمط حيواتهم وثقافتهم ليندمجوا في ثقافات اخرى ويتأقلمون معها.. وتلك الثقافات الاخرى والاندماج معها أوجد وخلق انتشاراً لظاهرة الحجاب بين إناث هؤلاء المهاجرين
على اختلاف وتنوع تلك النساء
والزوجات كن هن- وبطبيعة الحال- اول من التزمن بتلك الظاهرة لالتصاقهن بأزواجهن وحياتهم الجديدة في البلد الجديدة.. ومن الزوجة انتقلت الظاهرة للابنة وبالطبع لشقيقة الزوج وامه ثم اقاربه وهكذا دوليك.. وشكل هؤلاء المجتمع كله وصار المجتمع بأسره أسيراً لتلك الظاهرة منذ سبعينيات القرن الماضي خاصة مع هجرة الباكستانيين ايضاً لبلاد النفط وانتشارهم فيها وانتشار ازيائهم وطريقتهم في الاكل واللباس وظهر اصطلاح (الزي الباكستاني) وتم اعتماده كزي اسلامي للمرأة يسهل عليها الحياة في ظل نزولها لسوق العمل لمساعدة الزوج والاسرة بل واعانة نفسها نظراً لضيق العيش وضيق ذات اليد فصار الزي الباكستاني زياً اسلامياً (اذ تم اسلمة كل شيء والتجار به ويمكن العودة لمقالي (التليفون الاسلامي) و (المانكير الحلال)
فقد كان يحرم المرهبون الذين مارسوا علينا الترهيب في البداية ارتداء المرأة للبنطال لكنه صار حلالا بلالاً واسلامياً بعد ان اعتمد هؤلاء الزي الباكستاني كزي اسلامي للمرأة المسلمة.. ولا يمكن النظر لذلك بعيداً ايضاً عن السياسة ومساندة باكستان وأفغانستان المسلمة في حربها ضد الهند البوذية الكافرة والاتحاد السوفيتي الشيوعي الكافر
وبالتالي لا يمكن فصل او تحييد ظاهرة الحجاب عن السياسة والاقتصاد وان لهما دور كبير وفعال ليس فقط في نشأة ظاهرة الحجاب بل في شيوعها وانتشارها
اما فيما يخص لبنان.. فقد كان دوماً وللاسف منشغلا بالحروب والتطاحن الطائفي والذي صار له الان وجوهاً عديدةً ومختلفةً!
فبعد تردي الاحوال الاقتصادية في لبنان وتوقف الكثير من الاعانات والتمويلات التي كانت تذهب لتذكية الصراعات الطائفية وخرجت دول كثيرة من تمويل تلك الحروب المسلحة وانشغال تلك الدول الان بالنهوض ببلادها ولم تعد منشغلةً كالسابق ببلاد الغير كما كان الحال في الماضي غير البعيد.. ثم جاء تفجير مرفأ لبنان ليكون القشة التي قصمت ظهر لبنان الذي تحمل فوق طاقته ولم يعد يحتمل المزيد
فاصبحت الحرب الان في لبنان مختلفة.. حرب من نوع جديد.. ولم تعد تلك الحرب للميليشيات المسلحة في الشوارع كما كان الحال في الماضي
صارت الحرب في لبنان الان حرب نفوذ وسيادة على الارض وتحول التطاحن بين الفصائل لصراع مختلف وتكسير عظام باستخدام نفوذ وسلطة المال وسياسات الإفقار لا السلاح
لم يعد السلاح هو الفيصل في هذه الحرب ولم تعد له الكلمة العليا
وصار الدولار أصدق أنباءً من السيف والكلاشينكوف بل ومن الكتب والجرائد التي كان لها دور في تزكية الصراعات والتعبير عنها وتبنيها ودعم الفصائل المتناحرة على أرض لبنان الغالي
انتهت حرب الميليشيات المسلحة وهذا جميل.. وانتهت ايضاً الحروب الكلامية والتراشق الفكري والايديولوجي والسياسي عبر الجرائد والمطبوعات التابعة للفصائل والاحزاب
وصارت الحرب الاقتصادية والمالية والمصرفية هي الحرب الدائرة والسائدة الان في ربوع البلاد.. وصارت البنوك هي التي تفجر القنابل في وجوه مودعيها (مواطنيها) واستسلم المواطن لمصيره البائس وانشغل بتدبير قوته ولقمة عيشه وصراعه من اجل البقاء وحقوقه الاولوية (وهي ابسط حقوقه) كتوفير الكهرباء والوقود والخبر وخلافه.
وساد الفقر وخيم بظلاله على المواطنين
والعوز يدفع الانسان عادةً الى ان يلوذ بخالقه ويتطلع الى السماء.. ويمد يده على الارض لمن يمن عليه بالنقود القليلة التي تقيم له أود حياته
وبالتالي من يملك المال الان في لبنان هو السيد
والسيد لابد وان يطاع!
ويجمل الطائع عادة طاعته تلك بجعلها طاعة لله والله لا شركاء له
لكن على الارض هنالك من يتحدثون باسم الاله.. وصار هؤلاء المتحدثون الرسميون سادةً على الارض واهلها! وصاروا هم أيضاً اولياء النعم.. ومن يغدقون أو- بعبارة أدق- من يلقون بالفتات فيتهافت المتهافتون على التقاط هذا الفتات وتحجبت النساء فذلك أوفر جدا وافضل جدا على الارض
وفي السماء رزقهن وما يوعدون
انهار من لبن وعسل وخمر في انتظار رجالهم فيها لذة للشاربين
وكل عام وانتم بخير.