سياحة مؤتمرات حتى الحد الأقصى
نادى عدد كبير من الاقتصاديين والكتّاب والعاملين بقطاع السياحة، فيما قبل ٢٠١٤، بما أُطلق عليه وقتها «سياحة المؤتمرات»، التى تقوم أساسًا على جلب سياح من فئات محددة إلى البلاد بغرض حضور مؤتمرات متخصصة تناقش نوعًا معينًا من القضايا، وقد انطلق هؤلاء فى دعواتهم من مناسبة مصر طوال العام لهذا النوع من السياحة بسبب موقعها ومناخها، بالإضافة لما تمتلكه مصر من إمكانات ضخمة سواء قاعات مؤتمرات، أو معارض، بالإضافة لما لديها من خبرات بشرية عريضة فيما يتعلق بالاستضافة والإقامة والترفيه بشكل عام.
جاءت الإدارة الحالية لتحقق هذه الدعوات على المستوى المحلى أولًا، بداية من أكتوبر ٢٠١٦، عندما أطلقت المؤتمر الوطنى الأول للشباب فى شرم الشيخ، بغرض تحفيز القطاع السياحى وتوفير الدعم اللازم له، فى ظل ما كانت تتعرض له البلاد من ضغوط نتيجة العمليات الإرهابية التى وصلت لأقصى وتيرة لها خلال ذات العام الذى يليه، ولم يقتصر غرض المؤتمر على التحفيز الاقتصادى، بل جاء بغرض سياسى آخر وهو دمج الشباب وتمكينهم والاستفادة من قدراتهم فى إعادة صياغة شكل الحكم ونمط الإدارة فى مصر.
وقد نجح المؤتمر فى تحقيق أهدافه كاملة، فمن ناحية انبثقت عنه المؤتمرات الدورية للشباب، التى بدأت فى الانعقاد تواليًا بالمحافظات المصرية على أساس شبه دورى، مما سلط الضوء على تعدد الوجهات السياحية المصرية سواء فى الإسماعيلية أو الإسكندرية أو أسوان أو القاهرة، بالإضافة لتوفير منصة تجمع مسئولى الدولة بداية بالرئيس مع الشباب، بحيث تكسب الشباب خبرات إدارة الدولة، وتنقل نمط تفكيرهم من مستوى الفرد إلى نطاق الدولة، وفى ذات الوقت تنقل رؤى الشباب للإدارة، بما يكسبها زخمًا جديدًا، بدمج الخبرة مع الطموح والحماس.
ومع نجاح المؤتمرات الدورية ارتفعت الثقة لدى القطاع السياحى والشباب فتطور الاتجاه إلى الاستضافة الدولية، ليطلب الشباب من الرئيس إطلاق منصة جديدة تسمى منتدى شباب العالم، تبدأ نسختها الأولى فى ٢٠١٧، تستضيف ما يتجاوز الألف شاب من مختلف الجنسيات، فى شرم الشيخ، بحيث يعطى القطاع السياحى دفعة بمستوى متقدم تسهم بفاعلية أكبر فى حل أزمته، وفى ذات الوقت ترفع مستويات خبرات الشباب إلى نظرائهم الأجانب بعد سنوات طويلة من الانكفاء على الذات وعدم الاختلاط بالخبرات الدولية إلا على سبيل الاستثناء.
نجح مؤتمر شباب العالم فى نسخته الأولى فى الخروج بتوصيات تتبناها الدولة المصرية، حملت لاحقًا الدبلوماسية المصرية إلى المنصات الدولية الرسمية، مصطحبة معها وفودًا من الشباب الذى أخرجها بمختلف جنسياتهم، الأمر الذى حاز على احترام الأمم المتحدة لتعترف به كحدث رسمى على أجندتها الدولية.
التطور لم يتوقف، خصوصًا مع ازدياد الخبرات المكتسبة، وانصهارها فى بوتقة العمل الإدارى بالدولة المصرية، مع انتشار الشباب فى دواليبها، وتلقيهم دفعات من الإدارة وصلت ببعضهم إلى مستويات الإدارة العليا، ومراكز اتخاذ القرار، كمحافظين ونوابهم، ونواب للوزراء، ومساعدين لهم، وحتى رؤساء هيئات عامة بمستويات وزارية، ليبدأ هؤلاء فى النظر لمستويات جديدة، ومحاولة تطوير المكتسب فعلًا، وقد كان.
تطورت المؤتمرات لتشمل استضافة الدولة المصرية بطولات رياضية عالمية لتبلغ فى عام ٢٠٢١ وحده ست بطولات فى ظل تحدى الجائحة الذى يمنع حتى أهم دول العالم من إقامة بطولاتها المحلية، فبداية جاءت بطولة العالم لكرة اليد فى يناير، ثم بطولة العالم للرماية فى فبراير، وبطولة العالم للسلاح للشباب والناشئين فى مارس، فكأس العالم للخماسى الحديث فى يونيو، ثم كأس العالم للجمباز فى ذات الشهر، فبطولة العالم للدراجات للمضمار للناشئين خلال سبتمبر، وفى أكتوبر جاءت بطولة العالم للرماية، ثم ابتدأت ٢٠٢٢ بمنتدى شباب العالم.
جاءت هذه الأحداث جميعها فى عام واحد لتستمر فى الحفاظ على القطاع السياحى قائمًا فى ظل الجائحة، وتكسب الشباب مزيدًا من الخبرات، وتزيد من انكشافهم على التجارب والخبرات الدولية، ليصبحوا ذخيرة الإدارة المصرية الحقيقية فى معركة التحديث، وتحقيق مستهدفات أجندتها الإنمائية لعام ٢٠٣٠، حتى أصبحت الإدارة المصرية، تشعر بالثقة الكافية لطلب تنظيم مصر لكأس العام ٢٠٣٠، وحتى أوليمبياد ٢٠٣٦.
لم تكتف الإدارة إذن باستعمال سياحة المؤتمرات كمحفز للقطاع السياحى، بل طورتها لتصبح محفزًا ودافعًا للتنمية، وإكساب الشباب المصرى القدرات التى افتقدها لسنوات ليدفع التنمية بشكل عام على المستوى الكلى، بما يضيف للقدرات الشاملة للبلاد بُعدًا جديدًا فى معركة الإصلاح والوعى.