مصر فى قلب العالم- العالم فى قلب مصر
بشكل عام يتسم أداء الإدارة المصرية فى عهد الرئيس السيسى بتفضيل العمل على الكلام، ويرتبط بهذا نوع من عدم الحديث عن تفاصيل الأحداث قبل أن تصبح واقعًا على الأرض.. مع عدم الإسهاب فى الشرح النظرى لمغزى الأحداث، مع إرسال جمل تلغرافية بسيطة سهلة التأثير والاستيعاب.. ينطبق هذا على كل ما يحدث من المدن الجديدة إلى المحاور والطرق، ومن الأراضى المستصلحة إلى منتدى شباب العالم.. فى هذا العام تركت أحداث المنتدى وجدول أعماله لتشرح لمن يريد فهم الهدف من إقامته.. مع فعاليات اليوم الثانى يمكن تحليل رسالة المنتدى هذا العام، وهى بكل تأكيد مرتبطة أشد الارتباط بأولويات السياسة المصرية الخارجية، وبالصورة الذهنية المراد رسمها لمصر فى عيون العالم، وبالمسئولية الأخلاقية التى تتحملها مصر كطرف شريك وليس كطرف تابع للقوى العالمية الكبرى.. أولى رسائل المنتدى هى رسالة غير معلنة.. لها علاقة بوعى مصر بما حدث فى المنطقة خلال العشرين عامًا الماضية، وما حدث أن دوائر منحازة ومغرضة فى الغرب بالغت فى تشويه الدول العربية الوطنية، وأظهرتها وكأنها نماذج للانغلاق، والعداء للمنظومة العالمية والانفصال عنها، والحقيقة أن هذه النظم كانت نظمًا ذات طابع مدنى، معادية للتطرف، وأنها حققت معدلات استقرار جيدة لشعوبها، لكن ماكينات الدعاية والمصالح كان لها رأى آخر، فتم إسقاط هذه الدول بالمؤامرات، وبالقوة الخارجية المسلحة، وبغارات الطائرات الغربية، لتغرق بلاد كثيرة فى الفوضى والداعشية والطائفية، وقد حمى الله مصر بفضل جيشها وشعبها، ونجونا من هذا المصير المظلم، لنبدأ تجربة فى التنمية الوطنية، وفى أثناء هذا الانهماك فى البناء نرسل للعالم رسالة من خلال منتدى الشباب نقول إننا جزء من هذا العالم، وإن همومه هى همومنا، والأخطار التى تواجهه تشغلنا، لأننا دولة بناء، رفض شعبها أصوات المتطرفين، والمهووسين دينيًا، والذين يرون أن كل مصيبة تلم بالعالم هى انتصار للمسلمين وانتقام إلهى لهم!! والمفارقة أن قوى غربية كبرى كانت حتى سنوات قليلة تضغط لكى يصل هؤلاء المتعصبون إلى مقاعد السلطة، لكن ذلك أمر انتهى ورسالتنا إلى العالم أن المصير الإنسانى واحد، وأننا لسنا أعداءً لكم، ولكننا أيضًا لسنا تابعين.. نحن شركاء، وهذا هو ما يميز خطاب مصر فى عهد الرئيس السيسى.. معنى وحدة الهموم العالمية، ووحدة المصير، ووحدة الحضارة أيضًا، عبرت عنه رسائل رمزية متعددة بعضها فنى، وبعضها سياسى مباشر.. من الرسائل الفنية الرمزية الأقوال التى تم اقتباسها من أقوال ثلاثة من علماء وحكماء البشرية أحدهم يهودى «أينشتاين»، وثانيهم مسلم «جلال الدين الرومى» وثالثهم راهبة مسيحية «الأم تريزا».. رسالة رائعة، خاصة والثلاثة أفادوا البشرية جميعًا بعلمهم وحكمتهم وعملهم وبالتالى أصبحوا ملكًا للبشرية جميعًا.. من الرسائل الرمزية أيضًا المسرحية التى تم تقديمها مساء يوم الافتتاح، واحتوت على العديد من فنون الفرجة الممتعة، وكانت رسالتها أيضًا أن الوباء جمع البشر جميعًا فى ظرف قاسٍ واحد، وأنه يمكن أن يكون فرصة لنبدأ جميعًا من جديد، دون استغلال، ودون استقواء، ودون أن يستغل القوى الضعيف، وهى رسالة لشباب العالم ولحكومات الدول الكبرى أيضًا، وكل لبيب بالإشارة يفهم.
على مستوى الرسائل السياسية قدمت مصر نفسها كدولة إقليمية كبيرة، تتحمل مسئوليتها تجاه أزمات عالمية كبرى مثل وباء كورونا، وأزمة الاحتباس الحرارى، وقد عرض الرئيس السيسى تجربة مصر فى إدارة أزمة كورونا، وهى أزمة تمت إدارتها بكفاءة نادرة، أكدها لطف الله بنا، وتوفيقه لنا، فى حين اهتزت دول كبرى وسقطت حكومات غريقة فى هذا الاختبار الإلهى، ولا شك أن فخر مصر- المستتر- بنجاحها فى إدارة الأزمة هو فخر مستحق ودعاية سياسية نستحقها أمام العالم ضمن خطتنا للتسويق السياسى. أما فى اليوم الثانى، والذى خُصصت جلسته الرئيسية لمناقشة قضية «الاحتباس الحرارى»، فقد حدثت مصر العالم عما فعلته وليس عما تنوى أن تفعله، حيث شرح الرئيس أن مخططات تطوير الطرق، والتى بدأت منذ سنوات، كان من ضمن أهدافها تقليل استهلاك الوقود، وانبعاثات المحركات، وهو ما فعله رئيس الوزراء عندما تحدث عن مشروعات مثل تبطين الترع، وزيادة نسبة الاقتصاد الأخضر، والمشاريع الصديقة للبيئة، ومحطات الطاقة الشمسية التى تولد طاقة بديلة عن تلك التى يولدها الوقود الأحفورى، بينما كشف الرئيس عما تنوى مصر إكماله فى المستقبل من إنتاج للسيارات التى تعمل بالكهرباء، واستبدالها بالسيارات ذات المحركات العادية والاستعداد بالبنية التحتية اللازمة لذلك، وهو مشروع عملاق، يضع مصر فى قلب المستقبل، ويوفر مليارات الأطنان من البترول تستوردها مصر، فضلًا عن الأثر البيئى والرسالة السياسية التى تعلنها مصر بمثل هذه الخطوة.. ما أقصد أن أقوله إن التحليل يقودنى إلى أنه لا كلمة تقال فى المنتدى دون هدف سياسى شريف، ولا نشاط يقام إلا ووراءه رسالة، ولا فكرة تطرح إلا ووراءها معنى، ولا جنيه ينفق إلا ووراءه مكسب وهو شىء يدعو للاطمئنان وللفخر أيضًا.