«إحياء الأمل في الأجساد».. هل تنجح مبادرات تقنين عمليات التبرع بالأعضاء في مصر؟
دعوات ومبادرات أطلقت مؤخرًا لإنقاذ الأرواح من خلال التبرع بالأعضاء حال الوفاة، وكانت الفنانة إلهام شاهين آخر من أعلن منذ شهور عن رغبتها في التبرع بأعضائها ، كما دعت إلى إنشاء بنك للأعضاء البشرية في مصر مثل بنك القرنية.
وأعلن الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أنه سيتم قريبَا تطبيق قانون التبرع بالأعضاء، وسيتم العمل مع الحكومة لإجراء أي تعديلات يحتاجها قانون 2010.
«الدستور» تفتح ملف التبرع بالأعضاء والتواصل مع أشخاص كسروا هذا الحاجز النفسي وأقدموا على التبرع بأحد أعضائهم لإنقاذ روح وإعادتها للحياة مرة أخرى.
متبرعين: لا شئ يضاهي إنقاذ حياة شخص
الأربعيني محمد شعلة، أحد أبناء بمدينة بنها في القليوبية، يرى أن التبرع بالأعضاء أمر إنساني بالغ الأثر، فهو يسهم في إنقاذ أرواح الآخرين الذين هم في حاجة لزراعة عضو جديد بجسدهم، لاستكمال حياتهم دون معاناة، موضحًا أنه تبرع لأخيه الأصغر الذي أصيب بفشل كلوي نهائي كاد أن ينهي علي حياته.
وأضاف “شعلة” أن أخيه الذي يدعي "أحمد" 30 عامًا، أصيب بالفشل الكلوي منذ خمس سنوات، بعد ارتفاع شديد في ضغط الدم، الذي ضرب الكليتين لتتوقف وظائفها عن العمل بالشكل الطبيعي، وكانت جلسات الكلى لا تكفي حتي تستقر حالته ، وكان في أمس الحاجة لعلاج كلوي بديل لإبقائه على قيد الحياة ، معلقًا " حينها لم أتردد للحظة لمساعدة أخي بإعطائه كليتي".
يضيف أن: "وبالفعل قمت بعمل الاجراءات والفحوصات الطبية الازمة، للتأكد من تتطابق الأنسجة، فكانت فصيلتي هى ذاتها فصيلة "أحمد" (A موجب)، وكنت لا أعاني من أية أمراض مزمنة، وحالتي تسمح بإجراء العملية، ومن ثم قمت بعمل تعهد على نفسي بإجراء العملية وتحمل عواقب تلك العملية".
ومن بعد إجراء العملية في عام 2019، أكد "شعلة" أن الله جعله سببًا للإنقاذ حياة أخيه إذ استقرت حالة الصحية، وأصبح يمارس حياته بشكل طبيعي، معلقًا: "أخويا أب لثلاث أبناء، حاليًا هو وسط أولاده بصحته، وده عندنا بالدنيا"، مطالبًا في نهاية حديثه أنه يجب أن ترحب مصر بفكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة لأنها خطوة مهمة لدعم المرضى وتخفيف آلامهم.
عطيات محمد، 45 عامًا، لم تتردد في التبرع بأحد أعضاء جسدها لإنقاذ حياة ابنها، حيث قالت إن عمليات التبرع بالأعضاء لمساعدة الآخرين عمل خيري استثنائي، يعطي حياة جديدة للمريض لكي يعيش ويمارس حياته بدون آلام، موضحة أن ابنها الأوسط البالغ من العمر 28 عامًا، كان يحتاج لزراعة الكبد، نتيجة توقف الكبد عن عمله الطبيعي.
وتقول عطيات التي تعيش في مدينة المنصورة: "تبرعت له بفص كبد ليعيش .. أنا افدي ابني بروحي"، موضحة أن ابنها أصيب بمرض الكبد الكحولي، ذلك الالتهاب الذي يسبِّب تلفًا بالكبد، وذلك نتيجة الإفراط في تناوله الكحوليات على مدار سنوات، مشيرًة إلى أن حالته أصبحت حرجة وكان في حاجة لزراعة الكبد في أسرع وقت، وبالفعل أراد إخوانه الاثنين أن يتبرعا، ولكن رفضت بشدة وأصرت على أن تتم عملية النقل من كبدها.
وتابعت عطيات: "بعد الذهاب إلى أحد مراكز زراعة الكبد بالمنصورة، قامت بعمل تقييم صحي ونفسي شامل بالمركز، وبعد عمل الفحوصات اللازمة والتأكد من مطابقة الكبد من حيث فصيلة الدم والحجم وعوامل أخرى فضلًا عن أن العمر مناسب، مضيفة أنها قامت بعمل التعهد والأوراق اللازمة حتى تتم عملية النقل".
وأضافت: "بإزالة الكبد المريضة، ووضع الجزء السليم، وربط الأوعية الدموية والأقنية المرارية بالكبد الجديدة، نبدأ الكبد في النمو بسرعة حتى وصل إلى حجم الكبد الطبيعي وأصبحت تؤدي وظائفها بالشكل الطبيعي، معلقة " حياتي رجعت برجوع صحة ابني".
وأكدت عطيات، أن عملية التبرع خطوة هامة في حياة المرضى لتخفيف معاناتهم وآلامهم الجسيمة، والمبادرات التي تقام حاليًا بالتوعية بالتبرع بالأعضاء ما هي إلا محاولة لتحريك المياه الراكدة وتفعيل منظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، لسد العجز في إيجاد أعضاء من أجل إنقاذ حياة المرضى.
“منى جمال”، عاشت لحظات قاسية مع الفشل الكلوي المتأخر الذي أصاب شقيقها، وذلك قبل أن يطرح عليهم الطبيب المعالج فكرة التبرع من الأسرة لصالح المريض، وهو حل يمكن به إنقاذ حياته مرة أخرى.
وتقول منى:" أخي كان على مشارف الموت، وكنا جميعا في حالة من اليأس لا توصف، كان أخي الأصغر الذي شاركت في تربيته، يعني بعتبره أخويا وابني، وكان حالنا في تلك الفترة صعب للغاية بسبب حزننا عليه".
وأوضحت أنه مع اقتراح الطبيب على إمكانية زراعة الكلى لأخي عن طريق متبرع من أسرته، كانت هي أول المتطوعين لإجراء الفحوصات الطبية، لكشف مدى تطابق الأنسجة والأوردة لقياس مدى نجاح العملية.
بعدما تطابقت جميع الفحوصات بين منى وأخيها، تقول: "أجريت العملية بكامل إرادتي وسعادتي، وفكرة أن ربنا مديني خيار اني اقدر انقذ روح بني ادم وخاصة لو الروح دي من دمك انت، هو حقيقي شعور يصعب وصفه، والحمدلله على نجاح العملية، وعلى عودة أخي وسط عائلته مرة أخرى".
أستاذ جراحة عامة: فرص نجاح زراعة الأعضاء حاليًا مرتفعة
منصور سيد، طبيب بقسم الجراحة العامة في مستشفى بنها العام، يقول إن عملية التبرع بالأعضاء بمثابة الولادة من الجديد للمريض، لما تقوم به من إحياء الأمل في أجساد انهكها اليأس والألم، ولكن يكون ذلك في إطارها القانوني، لافتًا إلى أن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم زراعة الأعضاء البشرية الصادر رقم (5) لسنة 2010، نظم شروط عدة لقبول التبرع بالأعضاء.
ويتابع، ومن تلك الشروط ألا يزيد سن المتبرع على 50 عاماً، أن يكون المتبرع كامل الأهلية، توافق الأنسجة وفصيلة الدم ، إجراء كافة الفحوصات اللازمة لإثبات سلامة المتبرع وقدرته علي التبرع وملائمة العضو المتبرع به للمنقول إليه، فرصة نجاح زراعة العضو كبيرة ،وأن تتم العملية بإحدى المنشآت الطبية.
وعن منظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، يقول منصور سيد، هناك عادات وتقاليد تؤثر بشكل سلبي على المجتمع، فالتبرع بعد الوفاة أمر منطقي يسهم بشكل كبير في علاج المرضي ، ويتم ذلك من خلال اتباع كافة الاجراءات الازمة ، وللأسف تلك المنظومة غير مفعلة في مصر، على الرغم من قيام الكثير من الدول بتفعيلها.