رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أسطورة «إيكاروس» إلى الأخوان «رايت».. هكذا حلق الإنسان في السماء كالطيور

الأخوان رايت
الأخوان رايت

منذ أن راقب الإنسان حركة الطيور في السماء، وحلم الطيران يراوده، إذ حملت أساطير الشعوب والأمم هذه الرغبة والحلم في محاكاة الطيور وحركتها في السماء، من أسطورة "إيكاروس" اليونانية، مرورًا بمحاولة عالم الفلك الأندلسي عباس ابن فرناس في صنع جناحان ليحلق بهما من شرفة قصره في الرصافة، وصولا إلي نجاح الأخوان "رايت" في التحليق بطائرة ذات محرك في مثل هذا اليوم من العام 1903.

وفي كتاب "أحداث شهيرة من التاريخ"، والصادر عن دار مدبولي للنشر والتوزيع، يشير مؤلفا الكتاب وليام دي ويت وصمويل نيسون، ومن ترجمة إسماعيل وجلال مظهر، إلى أنه قد يبدو لنا اليوم والقمر هدف متصور للانتقال الإنساني عبر الفضاء، والعلماء يتكلمون عن الفضاء بلغة الدولار أكثر مما يتحدثون عن الاحتمالات النظرية.

إن مأثرة ويلبر وأورفيل رايت التي حققاها بمدينة كيتي الأمريكية، عندما نجحا في الطيران والهبوط بآلة أثقل من الهواء، إنما تجنح إلي أن تفقد شيئا من جلالها وعظمتها، غير أن الحالة كانت مختلفة تماما عندما بدأ الأخوان "رايت" يهتمان بتجارب الرائد الألماني أوتو ليلنتال التي أجراها على طائرة بلا محركات، حتى أن قليلين جدا هم الذين نظروا إلى الطيران بعين الاعتبار أو حتي فكروا في أن هناك فرصة سطحية في إمكان الارتفاع عن الأرض.  

ما قبل محاولة الأخوان رايت 


لقد اكتشف ويلبر وأورفيل أن معظم النظريات السائدة حيئذ عن رياضة الطيران بعيدة تماما عن الدرجة المرموقة، وكان عليهما أن يصمما ويبنيا نفقا هوائيا خاصا بهما ليكتشفا الحقائق الأساسية للرفع والمنع المتعلقة بأجهزة مقاومة الهواء. 

وكان من حسن طالع صناعة الطيران الكبيرة اليوم، أنهما كانا أعزبين، وكانا بعد عملهما في محل دراجات بمدينة دايتون بأوهايو، يستطيعان أن يقضيا كل الوقت اللازم في تجريب آلاتهما، غير أن عملهما كان في الواقع أفضل من ناحية التصميم، وأكثر دقة علمية، فالألماني أوتو ليلنتال وازن طائرته عديمة المحرك أثناء الطيران بطريقة بدائية هي تحريك وزنه، أما الأخوان رايت فقد أدركا النقص في هذه الطريقة، وسجلا طريقة للتحكم في الطائرة تحفظ التوازن بواسطة تغيير الضغط الهوائي علي الأجزاء المختلفة للآلة، وقد تمكنا عن طريق الدراسة الحصيفة لنفقهما الهوائي، من حسن الأداء عند الطيران، ومن تصميم طائرة تحتاج فقط إلي ربع أو نصف القوة التي كانت تحتاج إليها أي طائرة صممت قبل ذلك، وعندئذ بنيا الطائرة وكانت ذات أربعة سلندرات، وقوتها اثني عشر حصانا يسيرها البنزين، وتزن 750 رطلا، وأخذاها إلي كيتي هوك في 17 ديسمبر سنة 1903.

كان أورفيل يقود الطائرة في المحاولات الأربع الأولي، واستمرت أطول محاولة 59 ثانية، وبلغت أقصي سرعة 30 كيلو مترا في الساعة، ومع أن هذه المحاولة لم تكن غير قفزات بسيطة، فقد عبرت عن تحقيق حلم من أقدم أحلام الإنسان.

وكان علي الأخوين رايت أن يعلما نفسيهما بعد ذلك كيفية الطيران، وقد استغرق منهما تعلم كيفية تفادي دوران الذيل في الدورانات الصغيرة سنتين ولكنهما طارا. ولقد إلهامهما إلى تقدم سريع ونماء كبير للطيران، حتى لقد غطت شبكة الطيران التجاري العالم كله في مدي نصف قرن، حاملة ملايين من الركاب، وآلافا من الأطنان المشحونة، أما الأسلحة الجوية للدول الكبري جميعا، فقد أصبحت في منزلة الجيوش البرية والبحرية من حيث الأهمية.