سماح ممدوح: العالم العربي لا يهتم بالكتب العلمية.. والمترجم يخون عندما يدس أفكاره (حوار)
تعاقدت منشورات إبييدي مع الكاتبة والمترجمة المصرية سماح ممدوح، على عملين مترجمين، من المقرر أن يصدرا بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022.
وسماح ممدوح من مواليد محافظة المنيا، تعمل بمجلة"عالم الكتاب" ومجلة "مصر المحروسة" وموقع الفلق الإلكتروني، ككاتبة ومترجمة، لها العديد من المقالات النقدية، والمقالات والقصص المترجمة فى العديد من المجلات والمواقع العربية.
صدر لها مجموعة قصصية مترجمة بعنوان"إعدام"، ورواية مترجمة للأطفال بعنوان"أسطورة كهف جرافتون"، ورواية "كل الطرق تؤدي إلى الجلجثة، لجيروم كلابكا جيروم" عن دار “منشورات أبييدي”.
حول الترجمة وقضاياها، والتفاوت بين أجور المترجمين في العالم العربي مقارنة بغيره، وعن إعادة ترجمة العديد من الأعمال الكلاسيكية في ترجمات جديدة، وغيرها كان لــ"الدستور" هذا اللقاء مع الكاتبة المترجمة الشابة سماح ممدوح، وإلى نص الحوار:
ـــ متى وكيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
فى الجامعة، وبدأت بترجمة بعض المحاضرات، الترجمة عمل متكامل، فهي ليست نقل المكتوب من لغة أصلية للغة مستهدفة فحسب، بل هى عمل أساسه الإبداع، حيث التدريب المستمر للوصول إلى أجمل صياغة لفكرة مكتوبة، تخيّل كيف سيقولها كاتبها الأصلي لو كان يتحدث اللغة المستهدفة. بالتأكيد أطلاع على ثقافات الآخر، عوالم مختلفة أفكار تاريخ وغيره.
ــ كيف ترين ظاهرة انتشار ترجمة الأعمال الكلاسيكية والتي ترجمت من قبل٬ بل وأن العنوان يترجمه أكثر من مترجم٬ وفي الأغلب تكون ترجمات شديدة الرداءة٬ وبماذا تفسري تلك الظاهرة؟
نتحدث بداية عن ترجمة الأعمال الكلاسيكية، كأعمال هيمنجواى أو تشيكوف أو شكسبير حتى، تلك الأعمال هى المرجعية دائما، فهى ليست أعمالا لزمانها فقط بل هى أعمال لكل زمن بدليل أن العالم أجمع لا يزال يترجم أعمال شكسبير مثلا، يترجمها كما هى فى نصها الموضوع منذ أكثر من 400 عام، أو يترجمها على شكل نصوص مبسطة مختصرة للتسهيل على القارئ. وستظل هذه الأعمال تترجم وتطبع لأعوام عديدة.
أما بالنسبة لإعادة ترجمة الأعمال فهذا ليس بالأمر السيء إذا ما كان هناك حاجة لذلك، مثل أن تكون ترجمة عمل معين قديمة جدا ولم يقرأها القراء الجدد أو أن تكون ترجمة النص ناقصة أو حتى بها أخطاء تُخل بالنص وحبكته وفكرته.
وبالنسبة لانتشار الترجمة فربما لانتشار دور النشر خاصة الدور التى لا تهتم كثيرا بما تقدمه، لا فى النصوص الأصلية ولا الترجمة.
ـــ ما الفرق بين التعريب والترجمة؟ وأيهما أشد صعوبة أمام المترجم؟
فى بداية مشوار الترجمة يحار المترجم كثيرا فى هذا، فهل سيطبق ماتعلّمه من نقل النص كما هو أم أنه سيضع نفسه مكان الكاتب ويتخيل، كيف كان الكاتب سيقول هذه الجملة لوكان يتحدث لغتي؟ فهل أترجم حرفيا ما أقرأ؟ أم أصيغه بما أحب أنا أن أقرأ؟ وهذه النقطة يتدرب عليها المترجم ويكتسب فيها الخبرة مع الوقت والعمل الكثير.
وأيضا من الضرورى معرفة أن ترجمة إعلان تجارى مثلا لا يشبه إطلاقا ترجمة عمل أكاديمي أو عمل أدبي، فالعمل الأدبي هو ما يمكننا أن نقول أن المترجم لا بد وأن يعّربه، أما العمل الأكاديمى فمن المحتم على المترجم نقله كاملا أو حرفيا إذا أمكن، أى يراعي الدقة المتناهية فى نقل المصطلح.
ـــ ما الفارق بين المترجم الذي يمارس الإبداع والكتابة٬ والمترجم المهني؟.. وهل يؤثر الإبداع على الترجمة أو العكس؟
بالتأكيد يؤثر الإبداع بل هو أساس العملية، فالمترجم أداته الأولى بعد اللغة، هو القراءة والثقافة العامة، والدراية الكاملة بثقافة وتاريخ أهل اللغة التى يُترجم منها، فالمترجم سيصيغ عملا من لغة للغة أخرى، بل إن جاز القول، سيكتب رواية أو عملا إبداعيا فى لغته، وأكثر فروع الإبداع التى تتجلى فيها الترجمة الإبداعية هى ترجمة الشعر، فكثيرون يقولون أن من يترجم شعر ينبغى ان يكون شاعرا بالأساس أو يقرأ الشعر كثيرا.
وهذا بالإضافة إلى القراءة المستمرة والاطلاع على موضوعات شتى، حتى لو لم تكن فى مجال تخصصه، كلها تؤدي فى النهاية إلى إخراج عمل نقول عنه إبداعي، أما الترجمة المهنية، كالترجمة القانونية أو الطبية مثلا، لا يهتم فيها المترجم بصياغة إبداعية بل أساسها يكون الترجمة الحرفية والمصطلحات، فلو ترجم أحدهم عملا إبداعيا بطريقة مهنية لن يختلف كثيرا عن قراءة كتاب جامعي مثلا.
ـــ لماذا يعاني العالم العربي من ندرة في ترجمة الكتب العلمية؟
العالم العربي لا يهتم كثيرًا بكتابة الكتب العلمية، ولا نهتم كغيرنا بالعلوم، ثم الناشر يهتم بدرجة كبيرة بالتوزيع وحجم المبيعات حتى يستمر عمله، ولن يغامر بطباعة كتاب لا يثق كثيرا بأن أحدا سيشتريه، لكن هناك سياسة تتبعها الدور الأجنبية في طباعة الكتب العلمية بشكل مبسط وتبيع منها مثلما نبيع لدينا روايات الرعب، وهي طباعة الكتب العلمية بطريقة شيقة، بمعنى كتاب مصمم من الداخل ليكون نموذجا مجسما كما هى كتب الأطفال لكن هذه الطريقة فى الطباعة تكلف الكثير جدًا، وهي مغامرة يخشي الناشرين خوضها، لكن بالأساس أظن أن السبب الأول عدم الاهتمام بكتب العلم، سواء مكتوبة أو مترجمة.
ــ متي يخون المترجم؟
عندما يدس على الكاتب الأصلى أفكارًا لم يكتبها.
ـــ ما أبرز الكتب التي ترجمتها؟.. وماذا تترجمين حاليا؟
أبرز الكتب "رواية كل الطرق تؤدي إلى الجلجثة الصادر عن دار منشورات إبييدي2021" ورواية "واحد منا، ويلا كاثر" وهناك أعمال قيد الطباعة سنذكرها حال الصدور، وحاليا أعمل على ترجمات لبعض كتب الخيال العلمي.
ـــ ما الكتاب الذي تتمنين ترجمته أو ترشحينه للترجمة.. ولماذا؟
الكثير من الكتب الحديثة، خاصة تلك التى صدرت فى الإحدى عشر عامًا الأخيرة عن دور النشر الأمريكية، خاصة التي تتصدى لموضوعات خاصة بالعالم العربي، كما الكتب التى تتناول صناعة الإرهاب، والنواحى النفسية والسياسية التى أنتجت هذه الظاهرة.
ـــ إلى أي مدى تتفاوت أجور العالم العربي عنها في العالم بصفة عامة؟
ليست الأجور فحسب، فالنظام بأكمله مختلف، أنظمة التعامل بين الكاتب أو المترجم و الناشر.
ــ كيف ترين ترجمة عمل واحد أكثر من مرة بترجمات مختلفة؟
هناك بعض الأعمال التي تستحق الترجمة لأكثر من مرة لكن إذا كان هناك حاجة لإعادة ترجمة العمل نفسه، كما ذكرت آنفا إن كانت الترجمة ناقصة أو ركيكه أو غير صحيحة.
ـــ هل تختلف الترجمة من لغة وسيطة عن الترجمة من اللغة الأصلية مباشرة؟
أكيد.. فالمترجم من اللغة الأصلية يترجم روح النص كما خُط بيد صاحبه، أما الترجمة الوسيطه تترجم بعضا من فهم وتصّور المترجم الوسيط. لكن هناك بعض الكتاب، كما الكتاب الهنود يكتبون ويترجمون هم بأنفسهم أعمالهم، أو من يمتلك منهم اللغتين يكتب ويشرف بنفسه على الترجمة، وحينها ستكون الترجمة من لغة وسيطه تقريبا كما الترجمة من اللغة الأصلية.
ـــ ما ردك على من يرى المترجم مجرد وسيط بين النص في لغته الأصلية ومتلقيه؟ ومتي يكون المترجم مبدعا؟
ربما يكون المترجم وسيطا بين لغتين إذا كان مجرد ناقلا للنص، حرفيا. أما الترجمة الإبداعية، فهي إعادة خلق النص الأصلى بلسان مختلف يصل للقارئ الأجنبي، كما وصل للقارئ فى نصه الأصلى، وأحيانا يكون أجمل.
ـــ هل فكرت في الترجمة المعاكسة٬ أي من العربية إلى اللغة التي تترجم عنها؟
بالتأكيد أتدرب لمثل هذا العمل فى المرحلة القادمة، لكنها عمليه تحتاج لتدريب كبير جدً، خاصة إن لم تعيش فى بلدان تتحدث اللغة التى ستترجم لها، لكن ليست مستحيلة.
ـــ ما الصعوبات التي تواجهك في عملك كمترجمة؟
ربما عملية الحصول على تراخيص الترجمة من الدور الأصلية لبعض الكتب أو المبالغ الباهظة التى تطلبها دور أخرى لمنح ترخيص الترجمة، وخاصة إن كان المترجم هو المنوط به الحصول على هذا الترخيص، هذه إحدى أهم المشكلات بالنسبة لي خاصة عندما أتحمس لكتاب معين قرأته وأعلم أنه سيلاقى نجاحا كبيرا إن ترجم للغة العربية.
ــ حدثينا عن آخر ترجماتك؟
آخر ما صدر لي من أعمال مترجمة رواية "كل الطرق تؤدى إلى الجلجثة، تأليف جيروم. ك. جيروم، وصادر عن دار منشورات إبييدى 2021" من ضمن أصدرات الدار فى معرض العام نفسه، وتدور أحداث الرواية عن دور المؤسسات الصحفية فى إنجلترا فى دخولها الحرب، وكيف أن الإعلام «المملوك لرؤوس أموال كبيرة»، يمكنه توجيه الراى العام كما يتوافق ومصالح أصحاب تلك المؤسسات، كما تحكي الرواية كيف أن الرأس مالية هذه تصنع الجوع كما تصنع الحروب.