على جمعة: الله الجمال فى شتى صوره مناط رضا وسعادة لدى الإنسان
قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن الله فطر النفس البشرية على حب كل جميل والنفور من كل قبيح، فالجمال شرف فاق كل شرف، ألا ترى من شرف الجمال أن يدعيه من هو ليس بأهله، كما أنه من حقارة القبح أن ينكره من هو أهله، وكما جعل الله ذلك الشرف والميل للجمال أمرًا طبيعيًا في الفطرة السليمة، كذلك جعله أمرًا محثوثًا عليه في الشرع والدين، ففي الجمال اجتماع للأمر الكوني والأمر الشرعي في انسجام باهر.
وتابع "جمعة"، عبر صفحته الرسمية قائلًا: وفي الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن الله جميل يحب الجمال» [مسلم] دعوة صريحة من سيدنا رسول الله ﷺ لأمته للاهتمام بالجمال المظهري، وقد علل هذه الدعوة بأن الله جميل، فالله عز وجل متصف بكل صفات الجمال ونعوت الكمال والجلال سبحانه وتعالى، ويؤكد هذا المعنى ما رواه معاذ بن جبل أنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني أحب الجمال، وإني أحب أن أحمد -كأنه يخاف على نفسه- فقال رسول الله ﷺ: «وما يمنعك أن تحب أن تعيش حميدًا وتموت سعيدًا؟ وإنما بعثت على تمام محاسن الأخلاق» (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد)، فجعل رسول الله ﷺ حب الجمال وحب الذكر الحسن من سعادة الدنيا بل جعله من مكارم الأخلاق التي بعث ﷺ ليتممها.
وأوضح: لقد شاءت قدرة الله أن يجعل من الجمال في شتى صوره مناط رضا وسعادة لدى الإنسان، كما أن استساغة الجمال حق مشاع، وربما تختلف مقاييسه من فرد لفرد، ومن عصر لعصر؛ لكنه اختلاف محدود قد يمس جانبًا من الجوانب، أو عنصرًا من العناصر التي تشكل القيمة الجمالية، والجمال في فطرة الإنسان يميل إليه بطبعه، وهذا لا يحتاج إلى دليل إذ هو محسوس مشاهد في كل زمان ومكان.
وأشار: وأما ما ورد في نصوص الشرع الحنيف من دعوة للتأمل في الجمال، فهي كثيرة نذكر منها قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل:5] ومثله ما ورد في ذكر جمال منظر السماء والحث على النظر إليه بقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) [الحجر:16]، ويشبه ذلك أيضًا ما ذكره الله سبحانه وتعالى في معرض منه على الإنسان بالمخلوقات التي تبعث البهجة في النفوس كما في قوله تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل:60]، ففي هذه الآيات دلالة واضحة على عظم قيمة الجمال؛ حيث امتن الله على الإنسان بكل مظهر جميل، وحث المؤمنين على النظر في كل جميل حتى تسمو نفوسهم وترتقي لفهم المعاني الجميلة.
وأضاف: الجمال ليس قيمة سلبية لمجرد الزينة، كما أنه ليس تشكلًا ماديًا فحسب، ولكنه بالمعنى الصحيح حقيقة مركبة في مداخلها وعناصرها وتأثيراتها المادية والروحية وموجاتها الظاهرة والخفية، وكذلك في انعكاساته على الكائن الحي؛ وذلك لأن أثره يخالط الروح والنفس والعقل، فتنطلق ردود أفعال متباينة بعضها يبدو جليًا، وبعضها الآخر يفعل فعله داخليًا، لكن محصلة ذلك كله ما يتحقق للإنسان من سعادة ومتعة، وما ينبثق عن ذلك من منفعة تتجلى فيما يأتي أو يدع من أفعال وأقوال، وفيما يحتدم داخله من انفعالات ومشاعر.
واختتم الدكتور على جمعة حديثه قائلًا: وإذا كان الاستمتاع بالجمال مباحًا في الشرع الحنيف، فإنه مدخل إلى ارتقاء الروح والذوق وسمو النفس وخلاصها من التردي والسقوط، ومحرك للفكر كي يجول إلى ما هو أبعد من المظاهر الحسية التي قد كتب عليها الزوال، فالجمال سبب من أسباب الإيمان وعناصر من عناصره، والقيم الجمالية الفنية تحمل على جناحيها ما يعمق هذا الإيمان ويقويه ويجعله وسيلة للسعادة والخير في هذه الحياة، ولذلك حث الإسلام على جمال المنظر وجمال الأخلاق والأصوات والرائحة، بل كان طبع الإنسان ينفر من كل منظر وخلق وصوت قبيح، والمسلم بدينه الجميل وبعبادته لرب جميل وبالتزامه بشرع جميل يشيع منه الجمال والراحة والطمأنينة في المكان الذي يحل فيه كما أخبر بذلك المصطفي ﷺ حين قال: «المسلم كالغيث أينما حل نفع» فنسأل الله سبحانه أن يرزقنا جمال الأخلاق وجمال الممر والمستقر.