خطيب الجامع الأزهر: الدين الإسلامى تفرد برعاية ذوى الهمم وأعطاهم حقوقهم
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الباحث الشرعي بمشيخة الأزهر، والتي دار موضوعها حول «ذوو الهمم تاريخ وواقع وواجبات».
في بداية الخطبة أشار الدكتور الهواري إلى أن الإسلام له السبق في العناية بذوي الهمم وإدماجهم في المجتمع، وهو ما يؤكد ملامح وخصائص هذا الدين، فمن ناحية هو دين إنساني متفرد، ومن ناحية أخرى هو دين عملي، أما إنسانيته فتظهر في عنايته ببني الإنسان على اختلاف قدراتهم، وهذا بخلاف ما حمله تاريخ بعض الدول التي يشار إليها بالتقدم والحضارة، إذ كان عندهم من الأفكار والممارسات ما يخجل الإنسان من ذكرها.
وأضاف أن بعض المجتمعات تقضي وتحكم بإهمال أصحاب الإعاقات، وأحيانا تقضي بإعدام المعاقين، وكانت نظرتهم لهم شائهة، فمرة يتصورون أنهم أفراد تقمصتهم الشياطين والأرواح الشـريرة، وتارة يتصورونهم فئة خبيثة تشكل عبئًا على المجتمع، ولا أدعي أن مجتمعاتنا العربية كانت بعيدة عن هذا التمييز والظلم، بيد أنهم كانوا أقل ظلما لهم، وأكثر شفقة على أهل البلوى والزمنى، فلم يحكموا بموتهم ولا بقتلهم، ولكنهم كانوا يتعففون عن مؤاكلتهم أو الجلوس معهم على مائدة طعام، وفي ظل هذا كله نرى تفرد الإسلام وتميزه برعاية هذه الفئة الأكثر احتياجا؛ فقد نادى منذ أربعة عشر قرنا بالمحافظة عليهم، وأعطاهم حقوقهم كاملة في إنسانية أخاذة، ورفق جميل، فأبعد عنهم شبح الخجل، وظلال المسكنة، ومنحهم الفرصة ليكونوا أفرادا ناجحين، حتى صار بعضهم قصة نجاح يحتذى بها.
أكد الهواري أن من تأمل سيرة النبي ﷺ عرف الخلق العظيم في العناية بذوي الهمم، فجاءت سيرته مؤكدة أن ذوي الهمم لهم الأولوية في الرعاية والاهتمام، وأنهم لا يقلون عن الأسوياء الأصحاء في شيء.
ففي حادثة مشهورة يعاتب الله رب العالمين نبيه صلى الله عليه وسلم بشأن عبد الله بن أُمِّ مَكْتُومٍ، وكان من ذوي الاحتياجات الخاصة، أعمى لا يرى، لكنه كان ذا همة عالية ومبادرة ومشاركة وفاعلية، ذهب يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ويتعلم منه، فانشغل عنه النبي ﷺ بدعوة واحد من أشراف قريش؛ رجاء أن يسلم من وراءه، ورغم أن الرجل لم ير انشغال النبي صلى الله عليه وسلم عنه، إلا أن القرآن أبي إلا أن يعلي قدره بما عاتب فيه رسوله، فأنزل سبحانه آيات بينات تعاتب النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم عتابًا شديدًا: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى* وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى))، (فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يُكرم ابن أم مكتوم) ، وزاد تميز ابن أم مكتوم رضي الله عنه فجعله النبي ﷺ شريكا لبلال بن رباح في الأذان، ويزداد تميز الرجل، فيجعله النبي ﷺ واليا على المدينة إذا خرج لغزواته، فكان يتولى الإمارة نيابة عن رسول الله ﷺ، ويتولى الصلاة بالناس، ولولا كفاءة عبدالله ما ولاه رسول الله ﷺ،
وأكد أن السيرة النبوية عامرة بالتطبيقات التي تؤكد هذا الملمح الإنساني في هذا الدين، وأن رسوله بعثه الله رحمة للعالمين حتى استطاع أن يغير النظرة إليهم باعتبارهم ذوي هممٍ حقيقية، ولم تقف إعاقتهم دون الوصول إلى أهدافهم.