لماذا تختلف الكنائس المسيحية في موعد الاحتفال بعيد الميلاد؟
تستعد الكنائس الغربية للاحتفال بعيد الميلاد المجيد في الخامس والعشرين من ديسمبر الجاري، بمقراتها المتنوعة بالقاهرة.
ويشترك في الاحتفال في اليوم نفسه عدة كنائس أبرزها الكنيسة القبطية الكاثوليكية، برئاسة الأنبا إبراهيم اسحق، بكاتدرائيتها الكبرى في مدينة نصر وكنيسة الروم الأرثوذكس، برئاسة البابا ثيؤدوروس الثاني، في كنيسة رؤساء الملائكة بمنطقة الضاهر، إضافة إلى كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك التي كانت أخر الكنائس التي بدأت صوم الميلاد، بمقرها بمنطقة الضاهر، برئاسة البطريرك يوسف العبسي، وكنيسة السريان الارثوذكس التي يقع مقرها في نفس المنطقة أيضًا.
يتبقى الكنيستين الأرمينية والقبطية اللتان تتبعان المذهب الأرثوذكسي ليحتفلان سويًا بعيد الميلاد على مدار 7 و8 يناير المقبل على أن يقام القداس الإلهي مساء يوم 6 من الشهر نفسه.
إطلالة على تحديد عيد ميلاد يسوع المسيح
من جهته، قال الأب إسطفانوس دانيال جرجس، راعي كنيسة مار مرقس الرسول للأقباط الكاثوليك بالجلاوية – سوهاج في تصريحات خاصة لـ«الدستور»، لم يرد في سفر أعمال الرسل ولا رسائل القدّيس بولس الرسول ولا بقية كتابات العهد الجديد- شيء عن الأعياد والأصوام الكنسيّة ولم يعرف المسيحيون الأولون من الأعياد السيدية سوى عيد الفصح، فكانوا يحتفلون به كلّ أحد ولا سيما في الزمن الفصحى.
تابع "سائر الأعياد كالميلاد والغطاس والصعود، فلم تدخل في التقويم الكنسيّ، كما هي عليه الآن، إلّا في غصون القرن الرابع. ويعود سبب ذلك إلى أن الكنيسة كانت ترى في تكريم ذكرى المولد عادة وثنية يجب نبذها. وقد صرّح أوريجانوس، في أوائل القرن الثالث، أن الكنيسة لا تنظر بعين الرضى إلى مثل هذه العوائد، وأشار إلى أن الكتاب المقدّس لا يذكر إلّا عيد مولد فرعون مصر والملك هيرودس؛ فأحدهما في نظره وثنيّ والثاني كافر. ولذلك لم تكرّم الكنيسة الرسل والشهداء في ذكرى مولدهم بل في ذكرى وفاتهم ودخولهم السماء.
مٌضيفًا: وتطور الفكر المسيحي، وأدرك المسيحيون أن السيد المسيح يمتاز عن الرسل والشهداء بكونه مخلصًا وفاديًا. فكل حدث تاريخي في حياته له قيمة خلاصية لا يجوز تجاهلها وأول مرحلة في تحقيق سرّ الخلاص هي تجسد ابن الله وظهوره على الأرض.
تحديد عيد الميلاد لأرجاء المسكونة:
وواصل: أصدر الحبر الرّوماني البابا يوليوس الأوّل (327- 352م) قراره بتحديد يوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر للاحتفال بعيد الميلاد، وقد تم اختيار يوم 25 ديسمبر لأنّ التاريخ التقليدي لــــ25 ديسمبر قد تطوّر اعتبارًا من القرن الرابع، تحديدًا في سنة 336م، في "سجل الأحداث الزمنية بحسب الحروف " (Chronographus)، الذي أعده " فوريو ديونيسيوس فيلوكالو " (furio dioniso filoclo). يتفق العديد من العلماء على أن اختيار التاريخ يرجع الي تداخل العديد من التقاليد المختلفة، وكذلك التقاليد الوثنية التي يمكن تتبعها بدقة الي هذه الفترة من الفترة من السنة.
وتابع: كان التعليل لتحديد هذا اليوم هو أن هذا اليوم فلكيًّا اليوم أطول ليل وأقصر نهار على مدار السنة وأن المسيح هو نور العالم بميلاد المسيح يبدأ الليل في النقصان والنهار في الزيادة [يبدأ النّهار يأخذ من الليل 80 ثانية أيّ دقيقة وثلث] وهذا ما قاله يوحنّا المعمدان: « فلَهُ يَنْبغي أَنْ يَنْموَ، ولي أَنا أَنْ أَنقُص» (يو3: 30)؛ ومن هنا الكنيسة تحتفل بميلاد يوحنا المعمدان في 24 يونيو [يبدأ الليل يأخذ من النّهار 80 ثانية أيّ دقيقة وثلث] واعتبر ذلك كقاعدة لتحديد عيد الميلاد المجيد وكان يحتفل من هذا الوقت في يوم 25 ديسمبر. وأنّ ميلاد يوحنّا المعمدان واقع في 24 يونيو وفقًا لتقليد شائع في كل الكنائس فيكون بينه وبين عيد البشارة ثلاثة أشهر ويصحّ قول الملاك للعذراء مريم عن حبل أليصابات «وهذا الشَّهرُ هُوَ السَّادسُ لِتلكَ التي تُدعى عاقِرًا» (لو1: 36). واعتبر ذلك كقاعدة لتحديد عيد الميلاد المجيد وكان يحتفل من هذا الوقت في يوم 25 ديسمبر الذي يوافق (29 كيهك) في جميع المعمورة كلّها من مشارق الشمس إلى مغاربها وشمالها إلى جنوبها أيّ كان يحتفل العالم المسيحيّ الشرقيّ والغربيّ معًا بعيد الميلاد في يوم واحد (25 ديسمبر) لمدة 1273 سنةً أي لسنة 1582م.
تعديلات على التقويم اليولياني الذي صار بالتقويم الغريغوري:
وواصل: يُنسب هذا التقويم إلى قداسة البابا غريغوريوس الثالث عشر (1572 – 1585م) الذي قام بإجراء تعديلات على التقويم اليولياني. فمنذ سنة 1474م، وجد قداسة البابا سِكْسْتسُ الرابع (1471 – 1484م) ضرورة العمل على إصلاح الثغرات في التقويم اليولياني مستعينًا بالفلكي ريجيو مونتاس. وما إن جاء قداسة البابا غريغوريوس الثالث عشر حتى شرع في إصلاح التقويم المعمول به عندئذ بعد ملاحظة الاعتدال الربيعي الحقيقي الذي وقع في 11 مارس وفق التقويم اليولياني، وفي ذلك خطأ مقداره 10 أيام ما بين سنة 325 وسنة 1528، وقد وقع في 21 مارس. فاستعان قداسة البابا بالأب كريستوفرو كالفيو اليسوعي المعروف بكلافيوس لإجراء التعديلات اللازمة. وقد تم نشر التقويم الجديد بصورته المصححة في كتاب عنوانه (التقويم الروماني الغريغوري، روما 1603م). ومن براعة كلافيوس دُعي في تاريخه بإقليدس القرن السادس عشر.
وواصل: وارتأى عمل تعديليْن حتى يستوي موضوع التقويم، هما معالجة الفرق المتراكم في التقويم اليولياني الذي بلغ حتى سنة 1582، مقدار 10 أيام، وقد تم ذلك بحذف 10 أيام من شهر أكتوبر لسنة 1582م، معطيًّا ليوم الجمعة الموافق، بحسب التقويم اليولياني للخامس من شهر أكتوبر، تاريخ 15 من شهر أكتوبر لسنة 1582غريغورية. وهكذا عاد الاعتدال الربيعي إلى 21 مارس، وعلى ضوء ذلك إصدار البابا غريغوريوس الثالث عشر براءة بابوية مؤرّخة بتاريخ 24 من شهر فبراير لسنة 1582م.
وتابع: معالجة التباين الموجود ما بين السنتين اليوليانية والشمسية والبالغ 0.0078 من اليوم في السنة الواحدة، والذي يصل إلى ثلاثة أيام كل أربعة قرون. وهنا لجأ كلافيوس إلى نظام الكبس للتخلّص من الثلاثة أيام كلّ 400 سنة، إذ قرّر اعتبار كل السنين المئوية التي لا تقبل القسمة على 400، سنين بسيطة، والتي تقبل القسمة على 400 كبيسة. فالسنين 1500، 1600، 1700، 1800، 1900، 2000، 2400 كبيسة في التقويم اليولياني، في حين لا نجد سوي السنين 1600، 2000، 2400 كبيسة في التقويم الغريغوري. وعلي هذا فالسنوات الكبيسة في التقويم الغريغوري هي التي تقبل القسمة على أربعة ما عدا السنين المئوية لا تكون كبيسة إلّا إذا كانت تقبل القسمة على 400 وبهذه الطريقة أقترب طول السنة التقويمية كثيرًا من طول السنة الشمسية، حيث تناقص طول السنة التقويمية اليوليانية من 365.25 يومًا إلى 365.2425 يومًا وفق التقويم الغريغوري، وهذا قريب جدًا من القيمة الحقيقية للسنة الشمسية (365.2422 يومًا) وعلي ذلك فإن الخطأ في التقويم الغريغوري يكون بحدود 26 ثانية في السنة الواحدة، وهذا أيضًا يمكن أن يتراكم خلال 3300 سنة ليصبح يوماً كاملاً . ويمكن علاجه بإنقاص يوم من هذه الفترة، بأن تجعل سنة 4000 ميلادية بسيطة.
متابعًا: ولقد وصل الفارق في القرن العشرين ما بين التقويمين (اليولياني والغريغوري) إلى 13 يومًا؛10 أيام منها هي التي بلغته في عهد قداسة البابا غريغوريوس الثالث عشر في القرن السادس عشر، والثلاثة أيام الباقية هي نتيجة اعتبار السنوات 1700، 1800، 1900، كبيسة وفق التقويم اليولياني، بينما لا تعد كبيسة بحسب التقويم الغريغوري، علمًا أن سنة 1600 ظلّت ثابتة لكونها كبيسا في كلا التقويمين. وهكذا نجد في أيامنا هذه أن يوم الأربعاء 27 من شهر سبتمبر لسنة 1989م غريغوري يوافق يوم الأربعاء 14 من شهر سبتمبر لسنة 1989 يولياني ويوم الأحد الأول من شهر يناير لسنة 1989م غريغوري، يوافق الإثنين 19 من شهر ديسمبر لسنة 1988م يولياني .
الإصلاح الغريغوري أدّى إلى 13 يومًا فارق بين التقويم اليولياني والغريغوري
مختتمًا: وفي 1700م احتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 5 من شهر يناير لسنة 1700، وفي السنة 1800م احتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 6 من شهر يناير لسنة 1800، وفي 1900 احتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 7 من شهر يناير لسنة 1900، وفي السنة 2100 يحتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 8 من شهر يناير لسنة 2100، وفي السنة 2200م يحتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 9 من شهر يناير لسنة 2200، وفي السنة 2300م يحتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 10 من شهر يناير لسنة 2300، وفي السنة 2400م يحتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 10 من شهر يناير لسنة 2400، وفي السنة 2500م يحتفل بعيد الميلاد المجيد في مصر (والشرق أيضًا) في 11 من شهر يناير لسنة 2500م.