«فيليبو بيني».. الإيطالي الذي أنشأ أقدم مبنى بشارع فؤاد في الإسكندرية
تراث معماري فريد، وأبنية عتيقة على جانبي الشارع العريق والأشهر بمحافظة الإسكندرية، فهو أقدم شوارع عروس البحر، والذي تأسست عليه، لذا كان دائمًا محل البحث للتعرف على خباياه والتي مازالت تخرج للنور.
عندما تطأ قدماك «شارع فؤاد» للاستمتاع بروعة الأبنية والطرز المعمارية والتصميمات المختلفة، تجده شامخًا يتحدى الزمن، فبرغم مرور أكثر من 140عامًا على إنشائه إلا أنه مازال يحتفظ ببهائه وعراقته فهو أقدم مبنى في الشارع الشهير والذي خلفه قصة كبيرة على مدار سنوات، حتى أصبح الآن مقرًا للمركز الثقافي الإسباني والذي حافظ على هذا التراث الفريد.
وللتعرف على تاريخ المبنى العريق نظم معهد ثربانتس «المركز الثقافي الإسباني بالإسكندرية» ندوة للدكتور إسلام عاصم أستاذ مساعد التاريخ المعاصر والحديث، وبحضور مدير المركز لويس خابيير، للتعرف على تاريخ مبنى «بيني».
أقدم شوارع الإسكندرية
يقول الدكتور إسلام عاصم، أستاذ مساعد التاريخ المعاصر والحديث، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، إن شارع فؤاد هو أقدم شارع بالإسكندرية، وهو الطريق الكانوبي التي تأسست عليه الإسكندرية منذ عهد الأسكندر الأكبر، ثم البطالمة، وحافظ هذا الشارع على مكانته منذ الإنشاء في القرن الرابع قبل الميلاد وحتى يومنا هذا، كما حافظت العديد من المباني به على تراثها المعماري.
وأضاف لـ«الدستور» أن هذا الشارع أطلق عليه عدة أسماء أولها «الطريق الكانوبي»، وفي العصر الإسلامي «المحجة العظمى»، ثم أطلق عليه طريق رشيد لأنه كان الطريق المؤدي إلى مدينة رشيد، ثم تم تسميته بشارع فؤاد مع استقلال مصر عام 1922، ثم طريق الحرية، وأخيرًا طريق جمال عبد الناصر.
«بيني» أحيا شارع فؤاد بميراثه
وأوضح «عاصم» أن المباني في شارع فؤاد تغيرت وتحولت بصورة كبيرة، خلال الفترات الماضية، ومن خلال البحث عن الشارع والمباني القديمة به وجدنا أن أقدم مبنى في الشارع هو مبنى القنصلية الإسبانية، ومبنى مديرية الصحة، والذي أنشأهم الإيطالي «فيليبو بيني».
وتابع أن مبنى القنصلية الإسبانية الآن، كانت بدايته عام 1875، عندما أتى «فيليبو بيني» الرجل الإيطالي سليل عائلة «بيني» الشهيرة إلى شارع فؤاد أو طريق رشيد حينها، ليضع كل أمواله والتي كانت أكثر من 100 مليون فرنك هي كل ما كان لديه من ميراث والده، لشراء أراضي في هذا المكان، حيث كان لديه نظرة مستقبلية أن هذا المكان الموجود في طرف المدينة سيكون موقع هام في المستقبل، ليبدأ البناء في عام 1875 وينتهي في 1880، مما جعل الناس في ذلك الوقت يصفوه بالغباء، لإهدار ماله في مكان لا أحد سوف يأتي إليه، ولن يقوم أحد بالشراء في تلك المنطقة وأطلقوا عليه «الفقير الغبي».
وأضاف أنه في عام 1882 قُصفت مدينة الإسكندرية من الإنجليز، وهُدمت المباني والمنازل في قلب المدينة حيث كان الجميع يقطن ناحية المنشية، فبدأ الأغنياء بالمدينة تبحث عن مكان آخر والشراء في شارع باب رشيد، حيث قاموا بشراء الأراضي والأماكن من فيليبو بيني، وتم تعمير المنطقة وارتفعت أسعار البيع، وحصد بيني مكاسب ومبالغ خرافية وارتدت إليه كرامته مرة آخرى.
حصل على البكاوية وحصد النياشين
ولفت أن فيليبو بيني، كان واحدًا من الشخصيات القريبة من حكام مصر، حتى وفاته في اوائل القرن العشرين، أما والده فرانشيسكو بيني فكان المستشار الخاص للخديوي إسماعيل، وواحد من الشخصيات الهامة في عهد أحمد رفعت باشا، ابن محمد ابن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، وكان هذا الرجل صاحب التعاملات الرئيسية في العلاقات المصرية مع جزيرة فينسيا خاصة في عهد الخديوي اسماعيل.
وتابع أن الأب والابن قد حصلوا على العديد من النياشين الدولية، منها نيشان سان ماوريسيو من إمبراطور إيطاليا في ذلك الوقت، وكما حصل الأب على نيشان من البرتغال، وآخر من الخديوي إسماعيل نياشين وحصل هو وابنه على لقب البكاوية (بك)، وعند وفاتهم دفنوا في الإسكندرية، في مقبرتهم الموجودة حتى لآن في مقابر أرض اللاتين، المواجهة لمقابر باب شرق.
أوضح عاصم، أن رمز عائلة «بيني» محفور على الأبنية، ومقابر العائلة وهو رمز شجرة الصنوبر المنشقة من اسمه «بيني» كما نحت عليها «حمل» وكتب عليه «السامي المتواضع»، حيث تصور شجرة الصنوبر السمو والفخر، والحمل دليل على التواضع، وهو كان شعاره الموجود حتى على مقبرته وبداخل مبنى القنصلية الإسبانية وعلى باب مبنى مديرية الصحة بشارع فؤاد.
مقر المركز الثقافي الإسباني
وأكد أستاذ التاريخ المعاصر، أن أقدم مبنى بشارع فؤاد استأجرته الحكومة الإسبانية من ابنة فيليبو بيني عام 1959، واصبح هو مقر القنصلية الإسبانية والمركز الثقافي الإسباني، ثم بعد ذلك أغلقت القنصلية وأصبح معهد «ثربانتس» المركز الثقافي الإسباني بالإسكندرية، وهو من يمتلك المبنى حاليًا ويحافظ على تراث مبني، لافتًا أنه لأول مرة يتاح عرض المعلومات والخرائط عن المبنى من خلال التعاون مع مدير المعهد «لويس خابيير».
وكشف «عاصم» أنه يوجد احتمال كبير أن يكون المهندس المعماري لمبنى المركز الثقافي الإسباني هو المصمم الإيطالي الشهير «بونانني»، حيث يتمتع المبنى بتصميم إحياء الطرز الكلاسيكية، وهناك تأثر كبير بالطرز الإيطالية، فضلا عن ان السلم الرئيسي للمبنى تم تصميمه بنفس تصميم سلم القصر الذي ولد فيه والد فيليبو بيني بإيطاليا.
مباني عائلة «بيني» بالإسكندرية
أشار الدكتور إسلام عاصم إلى أن عائلة بيني تمتلك مبنى المركز الثقافي الإسباني، ومبني مديرية الصحة الذي كان مبني ملك فيليبو بيني، وكان يؤجره كوحدات سكنية، في بعض الأوقاف فندق، بالإضافة إلى مبنى مدرسة بلقيس، والذي كان ملكية «بيني» وقام ببنائه لصالح لوتساتو باشا، أحد الإيطاليين وكبار المصرفيين ورجال الأعمال بمحافظة الإسكندرية في نهاية القرن التاسع عشر، وتتواجد الثلاث أبنية بجوار بعضهما في شارع فؤاد.