جهاد أبو حشيش يكتب: أدب الإنترنت الصيني.. رهان ومستقبل
يعتبر أدب الإنترنت في الوقت الحالي من أهم المنافذ القادرة على جذب القراء في جميع أنحاء العالم، بغضّ النظر عن اختلاف توجهاتهم ومستوياتهم، ومن المعروف أن يُطلق على الأدب الذي يتم إبداعه في بيئة رقمية عن طريق الحاسبات الشخصية والانترنت.
وقد تنبّهت الصين منذ وقت مبكر إلى أهمية هذا النوع من الأدب في ترجمة جزء من رؤيتها تجاه ضرورة استثمار القوى الناعمة في صناعة الصورة القادرة على تمكين القارئ الصيني من تشكيل هوية وطنية فاعلة ومتماسكة. وفي الوقت ذاته، صناعة صورة ايجابية تحترم الآخر وتتعاون معه وتسعى لخلق مصالح مشتركة معه، من خلال تعريفه بثقافتها وتقاليدها وتأصلّها في حبها للسلام.
وبالرغم من أن عمر التجربة الصينية لم يتجاوز عقدين من الزمان. إلا أن الصين أدركت أن نجاح أدب الإنترنت يحتاج إلى التنظيم، بحيث لا يترك للفوضى، كما يحتاج إلى الاعتراف به، وتوفير البيئة المناسبة من أجل تحقيق النجاح والتطور ونيل فرص المنافسة عالمياً، كما منحته هامشًا حقيقًا من الحرية وتخطي الرقابات التقليدية. ولم تغفل الصين أيضاًضرورة الدعم اللازم لهذه الصناعة، مما شكّل رافعة أساسية للنجاحات المتميزة التي حققها أدب الانترنت الصيني وفي زمن لم يتجاوز العقدين متجاوزا نظيره الغربي ومتفوقًا عليه.
بلغ إجمالي الأعمال المنجزة من أدب الإنترنت الصيني في عام 2020، ما يقارب 28 مليون عملًا، وتجاوز متوسط عدد الكلمات المحدثة على المواقع الأدبية الوطنية 150 مليونًايومياً، والعدد التراكمي للكلمات الجديدة المضافة على مدار العام تجاوز 50 مليار كلمة.
إضافة إلى ما شهدته الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي اقتبست من أدب الإنترنت من تزايد إنتاج، وفقًا للكثير من الإحصاءات، حيث قاربت حوالي 140 عملا سينمائياًوتلفزيونياً خلال عام2020.
وبلغ عدد المستخدمين لتطبيقات الأدب المجانية على الإنترنت 144 مليونًا، بينما بلغ عدد المستخدمين لتطبيقات الأدب على الإنترنت المدفوعة 219 مليونًا.
وفي العام نفسه، نمت صناعة الكتب الصوتية بمعدل يقارب 50٪، وتطورت صناعة المسلسلات القصيرة على الإنترنت كموجة جديدة، وهي متكوّنة من حلقات وكل حلقة تتراوح بين دقيقتين وخمس دقائق.
وبلغ العدد الإجمالي للمؤلفين المسجلين في الخمسمائة موقع إلكتروني أكثر من عشرة ملايين مؤلف أدبي، ومعظمهم من المسجلين العاديين، ومن بينهم أكثر من مليون مؤلف متعاقد وستمئة ألف مؤلف متعاقد يجددون أعمالهم بشكل منتظم.
ويستثمر أدب الانترنت جاذبية وسائط الاتصال التفاعلية التي تسمح للقارئ والكاتب بمساحة تفاعلية حقيقية، لا تتوقف عند كتابة القارئ للتعليق، بل وبإمكانه خلق أفكار إبداعية مقترحة للنص المكتوب، مما يوسع مساحة العلاقة بينه وبين الكاتب، ويتيح للكاتب أن يدرس سيكولوجية القارئ المستهدف ليطور نصّه بطرق وأساليب أكثر جاذبية.
وتعتبر الرواية من أهم الأجناس الشائعة في أدب الانترنت، ويراعي القائمون على الأمر تغيّر عادات القراءة التي باتت لا تحتمل لدى القارئ العادي، خاصة جيل الشباب، وقتاً طويلاً، ولهذا نجد ان الأعمال تنشر على شكل فصول سريعة، حتى تتيح للقارئ الوقت الملائم للاستمرار في متابعتها.
وقد بدأ موقع تلك الكتب، التابع لدار انتركونتننتل الصينية مؤخرًا بنقل التجربة الصينية إلى العالم العربي من خلال تقديم عدة روايات في مجال أدب الانترنت للقارئ العربي وباللغة العربية، ومن اهمها ملائكة الحب والحياة، وزقاق البهجة، ومن الملاحظ للمتابع أن التجربة قد بدأت تلاقي نجاحًا مبشرًا.
كلُ هذا يشير بشكل واضح إلى أن أدب الإنترنت الصيني قد حقق قفزة نوعية، واستطاع أن يتعامل بصورة ديناميكية مع المتطلبات العالمية، التي انتبهت لها الدولة منذ البداية، فعملت على تحقيقها لتوفر مناخًا خصبًا لإنجاحه بشكل غير مسبوق.