صدور الترجمة العربية من كتاب «كريم حكيموف- سيرة حياة»
صدر حديثا الطبعة العربية لكتاب "كريم حكيموف- سيرة حياة: عن مصير الإسلام و الشيوعية في روسيا السوفيتية" عن دار نشر بيرو (القلم)، من تأليف السفير أوليج أوزيروف ، وترجمة الدكتور محمد نصر الجبالي، والدكتور عادل صديق.
ومن أجواء الكتاب: "هذا كتاب غير عادي. فهو قبل أي شيء يتميز بالشبه الذي يجمع بين مؤلفه وبطلة فالأول كان وما زال دبلوماسيا روسيا وسوفيتيا رفيعا خدم في منصب سفير بلادنا في المملكة العربية السعودية في الفترة بين عامي 2010-2017. أما الثاني فهو اول رئيس لبعثة دبلوماسية سوفيتية في هذا البلد (مملكة الحجاز أولا) في الفترة بين عامي 1924-1928 ثم في الفترة بين عامي 1936-1937 والذي ترك اثرا كبيرا وهاما في تاريخ الدبلوماسية السوفيتية وفي الفترة الصعبة التي عاشها تاريخ العلاقات بين البلدين. وقد خدم الاثنان نفس الفترة الزمنية تقريبا في المملكة.
وفضلا عن ذلك فإن شخصية بطل هذا الكتاب وسيرة حياته بالكامل استثنائية أيضا. حيث شهدت تقلبات حادة. ترعرع في سنوات المراهقة في عائلة ريفية فقيرة وكان لزاما عليه ان يعمل عند رجل ثري ليتكسب رزقه. ثم كانت مرحلة الدراسة في المدرسة ثم المرحلة الثانوية ثم شارك في الثورة ثم عمل كرجل دولة مهم ثم رجل حزبي وضابط عسكري وشغل العديد من المناصب الأخرى بما في ذلك في أقاليم اورينبورج واسيا المركزية. كما عمل كدبلوماسي ففي الفترة بين عامي 1921-1924 عين قنصلا عاما للاتحاد السوفيتي بمدية مشهد في إيران ثم قنصلا عاما ومن ممثلا سياسيا للاتحاد السوفييت بمدينة جده ثم في المملكة اليمينية في الفترة بين عامي 1929-1931 ثم تم ابتعاثه مرة أخرى الى جده ومن بعدها وقع ضحية لقمع ستالين. وبعد سنوات طويله من النسيان استعاد التقدير الذي يستحق من الدولة ولكن للأسف كان ذلك بعد وفاته. كما يعد كريم عبد الرؤوفيفيتش موضع فخر من شعب باشكيروستان الذي ينتمي اليه من حيث القومية وكذلك شعب تتار ستان الذي يعتبره أيضا أحد أبنائه.
ويقدم لنا أوليج أوزيروف من خلال هذا الكتاب الشيق خبرته الطويلة كدبلوماسي وعليم بشؤون الشرق الأوسط ليس ذلك فحسب بل تجربته الرائعة كباحث ومفكر في تاريخ روسيا وكاتب واديب موهوب يمتلك المقدرة على جذب اهتمام القارئ. ان هذا الكتاب يسد فراغا كبيرا لم تستطع الدراسات الكيرة السابقة التي تناولت حياة كريم حكيموف ان تسده. ويكفي ان نعود الى الفصول التي يتحدث فيها عن الفترات المجهولة من حياه البطل. ففي حين تناولت الدراسات السابقة للباحثين الروس فترة عمله الدبلوماسي الناجح في الجزيرة العربية بقيت سنوات حياته في تركستان وبلاد الفرس مجهولة ولم تحظى بالاهتمام الكافي او الدراسة العميقة.
وللمرة الأولى أيضا يورد اوليج اوزيروف العديد من الحقائق الهامة التي تزين هذا الكتاب. وعلى الرغم امن تناوله موضوعا تناوله الكثيرون قبله فقد استطاع ان يكتب تاريخ نشأة وتكوين وتطور هذه الشخصية الفريدة والتي لن تتكرر الا وهي شخصية البطل كريم حكيموف. وقام بذلك بفضل الدراسة العميقة والشاملة لمواد ارشيفية ومن خلال استيعابه الكبير لكل ما كتبه السابقون واسهاماتهم التي كانت محل تقدير منه. غير انه كثيرا ما يتعرض بالنقد لبعض الفرضيات التي وردت في اعمال السابقين ويقترح في المقابل تصوره الشخصي لهذا الحدث او ذاك من حياه البطل داعما ذلك بالحجج والبراهين. لم يسع الكاتب الى تصوير البطل على نحو مثالي بل تحدث عنه بوصفه انسانا يمتلك العديد من المواهب والقدرات ولكنه في الوقت نفسه به نفس نقاط الضعف الإنسانية وقضى بذلك على بعض التصورات النمطية التي حاول الباحثون السابقون تقديمها عن البطل.
نجح المؤلف في رسم لوحة كاملة لحياة ونشاط البطل لكن الكتاب لا يتحدث فقط عن حياة شخص واحد بل عن مصير الإسلام والشيوعية في روسيا كما ورد في عنوان الكتاب. وهو موضوع صعب كان موضع دراسة وبحث على مدى عقود سواء من العلماء الروس او الأجانب وكان موضوع نقاشات وجدل وصدامات دامت حتى اليوم. ومن خلال تناول سيرة حياة البطل الثرية يقدم اوليج اوزيروف مقتطفات من التاريخ الدراماتيكي لبلدنا في فترة التقلبات الثورية وقيام الاتحاد السوفيتي.
وبعد قراءة عنوان الكتاب واسم المؤلف يتوقع القارئ على ما يبدو منه كدبلوماسي رفيع المستوى ان يركز اهتمامه على قضايا السياسة الخارجية الروسية وان يتحدث عن هذا الجانب تحديدا من حياة حكيموف. غير ان الصفحات الأولى من الكتاب تشير الى ان فكرة الكاتب أوسع بكثير من ذلك وأكثر عمقا. لا يكتفى المؤلف بالحديث عن حياة وإنجازات انسان مهما كانت أهميته (ودور حكيموف عظيم في تاريخ الدبلوماسية السوفيتية) بل يرغب في مشاركتنا رؤاه حول ماضي بلدنا. لقد نجح في القاء الضوء على قضية صياغة النهج الدبلوماسي الخارجي لبلدنا وكذا سياستنا الوطنية والصراع بين مختلف التيارات في الأقاليم الإسلامية وتطور النظام الاتحادي.
ولا يسعى الكاتب لتفادي الحديث عن موضوعات حرجة في تاريخ بلدنا قام بتحليلها كرجل وطني محب لبلده. سيكتشف القارئ في هذا الكتاب بعض الفقرات التي تتحدث عن الصراع والتنافس بين قيادات وزارة الخارجية السوفيتية وتناقضات وصراعات بين بعض الوزارات او مجموعات مصالح وسيقوم بتقييم العديد من الشخصيات التي لعبت دورا هاما في مصير البطل ومن هؤلاء على سبيل المثال شخصية احمد ذكي وليدي.
ومن خلال سيرة حياة البطل يمكن ان نرى بوضوح خريطة النهج السياسي لبلدنا ما قبل الحرب ونتعرف على انتصاراتها وإنجازاتها وكذا اخفاقاتها المأساوية. ان التنوع والثراء الذي نلاحظه في هذا الكتاب يجعله يندرج تحت أكثر أجناس كثيرة – كتاب علمي وادبي وادب اجتماعي. وهو الامر الذي يجعل منه عملا شيقا وهاما لقطاع عريض من القراء. هذا الكتاب تقرأه دفعة واحدة ولا يمكن ان تركة من بين يديك.
ربما تبدو بعض تقديرات وأحكام المؤلف محل جدل وهذا ما يجعل من الكتاب قيما وثريا حيث انه يدعو الى التفكير. وإني لعلى ثقة ان صدور هذا الكتاب قد اثار اهتماما كبيرا وخاصا في باشكيرستان وتتارستان. ولكوني اعلم عن يقين اهتمام العرب أيضا بشخصية كريم حكيموف يمكنني القول بثقة ان هذا الكتاب سيترجم الى العربية.لدي رغبه في قول المزيد عن هذا الكتاب لكني ساترك للقارئ الحكم بنفسه".
جدير بالذكر أن، كريم حكيموف المعروف بـ (الباشا الأحمر)، أول سفير للإتحاد السوفيتي إلى المملكة العربية السعودية في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين إذ انه شارك لكونه سفيرا مفوضا للاتحاد السوفيتي في قيام الدولة السعودية. وكان صديقا حميما للملك عبد العزيز بن ال سعود مؤسس المملكة العربية السعودية.