«عيد الأوبت».. رحلة ساحرة من الكرنك إلى الأقصر احتفالًا بالفيضان
جاءت احتفالية افتتاح طريق «الكباش» فى مدينة الأقصر، مساء أمس الأول، لتعيد إحياء واحد من أهم الأعياد الدينية فى مصر الفرعونية، وهو «عيد الأوبت»، الذى كان يتضمن موكبًا ضخمًا من الكرنك إلى الأقصر احتفالًا بفيضان نهر النيل.
والأعياد فى مصر القديمة انقسمت إلى عدة أنواع، أولها الأعياد الرسمية التى يُحتفل بها فى البلاد كلها مثل: عيد السنة الجديدة، وأعياد أول الشهر، وأعياد منتصف الشهر، وتتويج الملك، والثانى هو الأعياد المحلية التى تخص كل إقليم على حدة، وصولًا إلى الأعياد الدينية مثل: عيد «الإله مين» الذى يُقام فى الشهر الأول من فصل الحصاد، وعيد «الأوبت».
ويعد «الأوبت» من الأعياد الدينية المهمة التى تم الاحتفال بها فى طيبة، وكان من أهم احتفالات العام، لدرجة أنه أطلق اسمه على الشهر الثانى من فصل «آخت»، وكان يشهد أخذ تماثيل «ثالوث طيبة» من ملاذهم فى الكرنك، ونقلهم إلى معبد الأقصر، لمقابلة آمون إم أوبت.
فالغرض من «عيد الأوبت» هو نقل تماثيل كل من «آمون» و«موت» و«خونسو» إلى معبد الأقصر، حيث يتحدون مع «آمون إم أوبت»، ليتم تجديد شبابهم وشباب الملك وكل الطبيعة خاصة الفيضان، قبل أن يعودوا شمالًا إلى الكرنك.
وكان الموكب يسير عبر طريق طويل يربط بين هذين المعبدين، وتصطف على جانبيه تماثيل أبوالهول، للانتقال من الكرنك إلى معبد الأقصر ثم العودة، إلى جانب طريق آخر بديل عبر نهر النيل، فى موكب نهرى كبير يشارك فيه أسطول كامل من السفن.
وبناءً على المصادر المتاحة، استخدم الطريق البرى للذهاب إلى معبد الأقصر، والنهر لطريق العودة، فى عهد حتشبسوت «١٤٧٣-١٤٥٨ ق.م»، بينما تم استخدام طريق النهر للذهاب والعودة، فى أواخر الأسرة الثامنة عشرة.
وحرص الملوك فى الدولة الحديثة على تصوير مشاهد متعددة لمراسم «عيد الأوبت»، ومن أهم هؤلاء الملوك: حتشبسوت على جدران المقصورة الحمراء بالكرنك، وتحتمس الثالث على جدران معبد الآخ منو، وأمنحتب الثالث على الصرح الثالث، وحور محب فى الفناء بين الصرحين التاسع والعاشر، وستى الأول فى فناء الأساطين الضخمة بالكرنك، ورمسيس الثالث فى الكرنك ومدينة هابو.
وصورت جدران البهو الكبير فى معبد الأقصر، المنقوشة فى عهد توت عنخ آمون «١٣٣٦-١٣٢٧ ق.م»، هذا الموكب بتفاصيل رائعة، وفيه سار جنود من الجيش، مسلحين بأسلحتهم، على أنغام الموسيقى، وينفخ الجنود أبواقهم ويقرعون طبولهم. بينما أضاف الراقصون المزيد من الحيوية إلى الاحتفالات، وأمامهم الثيران المسمنة المقدمة كأضاحى، وركب النبلاء مركباتهم، بينما كان الكهنة والكاهنات يهتفون.
وكان «عيد الأوبت» يستمر لعدة أيام اختلف عددها من زمن لآخر، فقد بلغت مدة الاحتفال بهذا العيد فى عهد تحتمس الثالث ١١ يومًا، أما فى عهد رمسيس الثالث فقد امتد العيد إلى ٢٤ يومًا.
ويبدو أن المصريين استمروا فى الاحتفال بعيد الأوبت حتى العصر الرومانى، ولأن مصر مختلفة عن أى بلد فى العالم، لا تزال الاحتفالات الدينية فى الأقصر مستمرة إلى الآن، لكن بغرض مختلف، فالمسيحيون يحتفلون بـ«عيد سان جورج»، بينما يحتفل المسلمون بـ«عيد أبوالحجاج».
ووفقًا لمحمد عبدالبديع، رئيس الإدارة المركزية لآثار مصر العليا، فإن «عيد الأوبت» كان احتفالًا بـ«المكافأة التى جلبها فيضان النيل السنوى إلى الحقول».