الحساب جارى.. والدفع بدأ
أكاد أجزم بأن حضراتكم ما زلتم تتذكرون كلمات الرئيس السيسى عندما قال «والله كله هيتحاسب» فى أحد المؤتمرات فى مايو ٢٠١٨، قوبل التصريح وقتها باستخفاف شديد، بل ارتقى إلى السخرية المصحوبة بتشكيك مبنى على تاريخ سابق من الجعجعة الحكومية الدائمة، التى لا تعقبها أبدًا أفعال، لكن ما اختلف فى الكلمات هذه المرة هو قائلها، الذى سن نهجًا جديدًا، وهو قلة الكلام مع الالتزام حرفيًا بما قيل.
الرئيس كان يقصد بتصريحه أن كل من أساء لمصر سيطاله الحساب، حتى لو اعتقد أنه خارج نطاق القدرة المصرية التى كانت فى وقت التصريح محدودة للغاية ومتراجعة بشدة تحت تأثير الضربات الاقتصادية والسياسية التى تلقتها البلاد، قبل أن تتمدد فى الوقت الحالى ليصبح مداها أوسع مما كان أكثر المتفائلين يتصور وقت إطلاق الرئيس تصريحه.
اتساع مدى القدرة عجّل بيوم الحساب، فعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط بدأ المسىء الذى آوى الهاربين فى التخلى عنهم، بعدما أيقن أن أحلامه فى منطقة اقتصادية أوسع فى البحر المتوسط لن تتحقق إلا بعد المرور برضا الطرف المصرى، الذى ألزم اليونان، بموجب اتفاقية ترسيم حدود بحرية دولية تتوافق مع الأعراف الدولية، وقانون البحار، بأن توافق مصر على أى ترسيم مع الجيران قبل أن يصبح اتفاقهما نافذًا، مما جعل الهاربين عديمى الفائدة بالنسبة للرجل، بعد أن استعملهم وأسرهم، ليحاول عبثًا هدم بلادهم، وفيما تكتب هذه الكلمات يتلاعن الطرفان، ليحمل أحدهما صاحبه القسط الأكبر من الفاتورة.
فى الشرق كذلك يدفع أحدهم الثمن نقدًا، بعدما بدأت إحدى الدول الأوروبية الكبرى فى الانقلاب عليه، والتفكير جديًا فى تصنيفه وفصيله إرهابيًا، ذات الفصيل الذى أدار الأنفاق واستخدمها لتهريب الإرهابيين وما يحملون من أسلحة، وتجارة المخدرات التى تمول نشاطهم، لا لشىء إلا ليحقق أغراض الهاربين والمسىء الذى آواهم، والآن ليس من مفر ولا ملجأ أمامه إلا مصر، لكن الثمن لن يكون بخسًا.
ليس بعيدًا عن الحساب من تعمد الإضرار بمصر فى الجنوب، ورفض التوقيع على اتفاق أقل ما يوصف به أنه عادل، إذ تعصف ببلاده الآن أحداث مؤسفة ربما تودى بتماسك بلاده لعدة عقود، قبل أن ينال مبتغاه فى تعطيش مصر والمصريين، أو يفرض عليهما واقعًا أباه التاريخ.
الحساب سيستمر وسيدفع من كان حتى ينوى الإساءة إلى مصر، وليس ذلك بمجرد الأمانى، بل إن له من المستقبل ما يؤكده، حيث ستستمر القدرات الشاملة للدولة المصرية فى التركز والزيادة، ذلك بعد أن قطعت البلاد العلاقة مع عدم الاستقرار، والسيولة الأمنية والاقتصادية، وبدأت مشاريعها الكبرى فى التحقق.
فمشروع التحول لمركز إقليمى لتداول الطاقة الذى يتصور منه أن يحقق تدفقات نقدية مليارية، وقعت عقوده عبر البحرين المتوسط والأحمر، لينقل الكهرباء بين قارتى آسيا وأوروبا عبر مصر، بعدما تبيع كذلك فائض طاقتها الكهربائية سواء المولدة فى محطات الكهرباء الحرارية، أو تلك المولدة من الطاقات المتجددة.
اتساع القدرات المصرية سيوسع من أعداد المحاسبين الذين اعتقدوا أنفسهم خارج إطار القدرات المصرية، فبعدما طال العقاب عتاة المجرمين فى حق مصر، سيطال صغار المسيئين الذين حرضوا وما زالوا على منصات التواصل الاجتماعى، والقنوات التى تبث من خارج البلاد، وليس ذلك ببعيد، فانتظروا إنا معكم من المنتظرين.