عاركة أكابر
بعيدًا عن الصلاحيات الإدارية - والتي لا أعرفها - والخاصة بنقابة الموسيقيين وتعلق ذلك بالموقف الأخير وتدخل النقابة لمنع غناء عدد من الأشخاص الذين اعتادوا إطلاق كلمات بذيئة ومسيئة بل وأحيانًا كلمات ومعاني وايحاءات ومصطلحات يعاقب عليها القانون وترسخ لأفكار لها علاقة بجرائم مثل زنا المحارم وأن الفتاة محرضة بالضرورة دومًا وأنها السبب في تحرش "أبو ليمونة" بها في المواصلات العامة بل أنها السبب في تحرش واغتصاب أبيها لها لأنها تمارس الرياضة في بيتها فممارسة الفتاة للرياضة يجعل أبيها في حالة هياج جنسي على ابنته، ناهينا بالطبع عن أغنية "واعتذر عن الاضطرار لكتابة مصطلح الأغنية" لتوصيف وتسمية ما يردده هؤلاء الأشخاص والذين يثار حولهم جدل الآن وساق البعض لهم المظلوميات فالمعاني التي تغنى واتفق على تسميتها بالأغنية كان عنوانها "أمك صاحبتي وخالتك كمان" إلخ ما في الأغنية من بذاءات تشكك في شرف الأم وتعاير الأب بأمه الساقطة! هذا إلى جانب كارثة أخرى سميت "علشان تبقي تقولي لأ".
وفيها ليس فقط تحريض وتبرير للتحرش بل فيها أيضًا نوع من التهديد والابتزاز ولي الذراع وتكدير للأنثى كي تخشع وتذل لكي لا تسول لها نفسها مرة أخرى أن تقول "لا" وأن تعتاد على قول كلمة "نعم" بل ونعمين، دائمًا وأبدًا وألا ستسوم من الرجل سوء العذاب والمهانة وما يترتب على ذلك من ابتزاز وتهديد وتكدير للأنثى في المطلق يبيح بسببه بالطبع للزوج اغتصاب زوجته وقتما يشاء ومثلما يريد.
فماذا نريد نحن الآن وبعد كل ذلك؟ وما هو المطلوب تحديدًا لمنع استمرار تلك المهازل والمساخر بل والجرائم؟
فالمنع الصادر هنا مؤخرًا في اعتقادي ليس للغناء بل لإيقاف سيل البذاءات والتحريض والتكدير والتشييء والسب والقدف والتحقير الدائم والأبدي للإناث في الكثير من تلك الأغاني، وبالطبع لأنصار اللامنع وجهة نظر في تلك القضية المطروحة والخاصة بحرية التعبير والحق فيه وإلخ وهذا جميل ولكن وبنفس المنطق وإن كانت الحريات مطلقة فهنالك كذلك الحرية في القتل والاغتصاب والتعذيب والسرقة.. إلخ.
وإن اعتقدتم أن تلك جرائم لا حقوق وأنها جرائم يعاقب عليها القانون ألا يجب أن يعاقب القانون على كل ما ذكرته أعلاه واعتبار ذلك أيضًا جرائم لا غناء؟
هل كلمات الأغاني ومضامينها لا يعاقب عليها القانون؟ وبالتالي يكون الحل ليس فقط هو المنع من الغناء بل السجن لمن نسج وألف تلك الكلمات ومن قام بالأداء العلني لها ونشرها وهو في هذه الحالة المطرب والمنتج الذي انتجها وأتاحها للعلن، ومن سيسجن بحكم القانون سيتوقف حتما عن الغناء.
لأن المقيدة حريته بحكم وسجن لن يتعاقد على حفلات وهو داخل أسوار السجن فهل من يريدون الحرية المطلقة لمن يؤدون مثل تلك الكلمات ويطلقونها للعلن وللجماهير يريدون تعريض هؤلاء المغنين للسجن إلى جانب منعهم من الغناء؟
وهنا يصبح قرار النقابة رحيمًا وأكثر رأفة بهؤلاء الممنوعين تمامًا كما كان قرار نقابة الصحفيين هو منع حبس الصحفي في جرائم النشر وأن يعاقب الصحفي - تعاقبه نقابته - بمنعه من الكتابة عن الشخص الفلاني الذي أساء له أو شهر به أو نشر عنه أخبار خاطئة أو منع النشر في الموضوع الفلاني وبالتالي فنقابته هي التي تحاسبه وتعمل أيضًا مبدأ حق الرد لمن أسيء له، فقرار نقابة الموسيقيين بمنع البعض من الغناء والذي يعني - ابعاد شر هؤلاء عنا - أهون على هؤلاء حتمًا من دخولهم للسجن، أما إذا ظل الصراع محتدمًا حول هؤلاء وسيلتجؤ من يرون في قرار النقابة قمعية استعلائية وخلافه حسنًا.
فليحاسب هؤلاء إذا وفقًا للقانون ووفقًا لقوانين العقوبات على كل أنواع البذاءات والتحريض على التحرش والاغتصاب وخلافه إلى جانب جنحة السب والقذف وتحقير الإناث ونعتهن بأقذر الصفات والألفاظ والتحريض ضدهن واتهامهن بما ليس فيهن.. فهل توافقون يا سادة يا من تنادون بحرية التعبير واطلاقها على علاتها وبشكل مطلق على سجن هؤلاء؟
وإن اتفقتم على ذلك ورضيتم بسيادة القانون في معركة أراها مفتعلة وبعيدة كل البعد عن رجل الشارع وما يعانيه ويتكبده ليقيم أود حياته بعيدًا عن معارك الأكابر وخناقات الترند.
فبكل تأكيد المواطن الذي يعاني ويلات الحياة ومتاعبها وتحاصره الجائحة والفواتير والالتزامات التي عليه تسديدها في مواعيدها ليتحاشى المتاعب وتبعات عدم التسديد ليس معنيًا على الإطلاق بمعركة المليادير الشهير مع المليونير الشهير لصالح مليونيرات جدد ظهروا على السطح قبل قيام الدولة بدورها في مكافحة العشوائيات فظهر من تلك العشوائيات كائنات طفيلية عشوائية مليئة بالغضب تحركها تلك العشوائية التي أدت بدورها لعشوائية جلية في السلوك وغضب تم التعبير عنه بشكل واضح وعنيف في الكلمات التي يتفوهون بها ويصدرونها لغيرهم لتشكل تلك المعاني وتلك الكلمات ليس فقط ذائقة وذهنية عند المتلقي بل منظومة قيم وأحكام للأسف مطلقة ونظرة دونية يصدرونها عن الأنثى بمختلف تصنيفاتها سواء كن أمهات أو بنات لأب أو خالات أو شقيقات وخلافه.
وما جعل الأمر يحتدم في رأيي ليس قرار النقابة في ذاته بل شخص من يجلس على كرسيها، فعلى ما يبدو أن هنالك كم من الكراهية (التاريخية) أو عدم الاستحسان تجاه شخص النقيب فانصب ذلك اللاستحسان على قراره الذي تأثر بالنظرة إلى شخصه وربما كذلك نوعية الأغاني التي يغنيها، فمن بين تفاصيل الأزمة طرح البعض والتلميح لفكرة أن النقيب ينتمي لذات الكار وأن أغانيه لا يحبها هذا أو ذاك، وأن ذائقة هؤلاء لا تتفق مع أغانيه التي لا تروقهم.
والسؤال هل لو كان النقيب شخص غير النقيب الحالي كان قرار النقابة سيقابل بإستحسان؟ أو بعبارة أدق، هل لو لم يكن المطرب الفلاني هو نقيبًا للموسيقيين كان سيثور على قراره من ثاروا؟ والغرض من طرح تلك التساؤلات معرفة أن كان رفض القرار نابع حقًا من قناعة حقيقية أم من عدم استحسان لشخص النقيب وأغانيه؟ هل الرفض موضوعي بالفعل أم مشخصن؟
فإتهام النقيب بالنفسنة والشخصانية واعتبار ذلك واردًا يعطي أيضًا أحقية منطقية لاتهام المناهضين له كذلك بالشخصنة واللاموضوعية وتلك مسألة على أطراف النزاع حقًا التفكير فيها، لذلك أرى لأن النزاع القائم حاليًا حبيسًا - وسيظل هكذا - بين فريقين متناحرين ولا علاقة لذلك الصراع بمتطلبات المواطن وهمومه والتي هي أهم وبكثير من (عاركة الاكابر) هذه وغيرها من المعارك الشبيهة في العموم والتي قد تصنف ترفًا ورفاهيةً من وجهة نظر البعض، ومن حق كل فرد اختيار وانتقاء معاركه وفقًا لقناعاته وانحيازاته واحتياجاته فربما يختار المواطن معارك أخرى يراها أكثر جدوى وأهمية من كل ذلك.. وللغناء السلام.