أحمد الصادق: «التشجيعية» حملتني مسؤولية مضاعفة.. والمصريون لم يصلوا إلى مضمار «الخيال العلمي»

قبل شهور قليلة، حصل الكاتب أحمد الصادق على جائزة الدولة التشجيعية لعام 2021، فرع الرواية، عن روايته "هيدرا.. أوديسا الفناء والخلود"، وكانت الجائزة مخصصة لرواية الخيال العلمي.

في تلك الرواية ضخ الصادق جرعة كبيرة من الفلسفة في ثنايا الحدث الدرامي، ما ساهم في جعل "هيدرا" محاولة فنية مُحكمة للإجابة عن بعض الأسئلة الكبرى التي لطالما أرّقت الإنسانية.

ولأحمد الصادق إصدارات أدبية سابقة، مثل رواية "رحلة داخلة فوهة الماسورة"، والمجموعتان القصصيتان "لغة كل شيء" و "عشر محاولات فاشلة للانتحار". هذا بخلاف أنه، وإلى جانب الكتابة، يمارس الصادق فنونًا أخرى، وتحديدًا على مستوى الموسيقى، إذ يعزف الناي والبيانو.

«الدستور» التقت الصادق وطرحت عليه بعض الأسئلة، عن فوزه بجائزة الدولة التشجيعية، وعن روايات الخيال العلمي، والفنون الكتابية بشكل عام.

حصلت قبل شهور على جائزة الدولة التشجيعية.. كيف تلقيت الخبر، وما قيمة هذه الجائزة بالنسبة لك؟ وهل الجوائز الأدبية معيار حقيقي لجودة النصوص الأدبية؟

جائزة الدولة التشجيعية أكبر حدث في مسيرتي الأدبية حتى الآن، وضعت فوق كاهلي مسؤولية مضاعفة تجاه كتاباتي المقبلة. أما بالنسبة للجوائز، فإذا كانت نزيهة بنسبة 100%، فهي بالتأكيد معيار حقيقي لجودة النصوص الأدبية، أو على الأقل بالنسبة للجان التحكيم الخاصة بكل جائزة. وفي حالة فوز الكاتب بعدد كبير من الجوائز تحددها لجان تحكيم مختلفة، فهذا مؤشر قوي على أن ذلك الكاتب تستحق أعماله التقدير، إنها مسألة رياضية بحتة.

تتناول رواية هيدرا سؤالًا فلسفيًا هو: "ماذا لو صار الإنسان خالدًا؟" برأيك هل سيقود أمر كهذا الإنسانية إلى ما هو أفضل أم إلى الأسوأ؟

تحاول رواية هيدرا الإجابة عن السؤالين معًا، وكعادة أي تقنية حديثة يبتدعها الإنسان، فهي في النهاية سلاح ذو حدين: الخير والشر. من أيام ألفرد نوبل مخترع الديناميت الذي كان الهدف منه التنقيب عن الذهب والبترول في المناجم، وصار وسيلة لتدمير البشر. وأينشتاين الذي ساهم في صناعة القنبلة النووية دون أن يقصد، بل كان يستهدف إنتاج طاقات عظيمة تخدم الإنسانية. الخلود كذلك، يبدو خيرًا للوهلة الأولى، ولكن طبيعة الإنسان نفسها قد تستغل الخلود في الشر، فمن الطبيعي مثلًا أن يرى الإنسان الخالد الذي عمره 1000 سنة أنه أعلى شأنا من الإنسان الفاني الذي يولد ويموت في أقل من عشر عمره. من الطبيعي أن يسيطر الخالد على كل مجريات الحياة، ويستعبد الفاني، أو هذه هي رؤيتي التي ناقشتها في رواية هيدرا.

يبدو سؤال بدء الخليقة ومسألة الأديان حاضران في روايتك "هيدرا".. فكيف ترى دور الأدب في الإجابة عن الأسئلة الكبرى؟

للأدب دور مهم جدًا ومحوري في الإجابة عن تلك الأسئلة؛ فالأدب فن، والأسئلة الكبرى وليدة التأمل والفلسفة. والفلسفة تتخذ من الفنون أصدقاء مخلصين لها، بينهم علاقات راسخة وروابط ديناميكية في نفس الآن. الحياة وما بها من معاني، والموت وما يحمل من غموض، والسؤال الوجودي الوحيد الذي ينكب رجال العلم والدين والفلسفة للإجابة عنه بكل الطرق.. يأتي الأدب ليكون بمثابة الحيز الفكري الحر، الذي ينطلق فيه خيال الكاتب كيفما شاء، يحاول الإجابة عن الأسئلة الكبرى بطرق غير مباشرة، الظلال الباهتة التي تشير إلى حقائق مماثلة للأسئلة الوجودية في الواقع، التداعي الحر للأفكار عن طريق عوالم فانتازية يضطلع بها الأدب في محاولة دائمة للتناص مع الواقع الخارجي، بصورة الرمز والإسقاط. يستطيع الأدب أن يقدم إجابات حالمة، فالخيال لا حدود له. لكني لم أقدم إجابات شافية في هيدرا، ربما لأنها رواية خيال علمي، وللإجابة عن الأسئلة الوجودية، يتطلب الأمر خيالًا لا علميا، بل عالم غرائبي من السحر والفانتازيا... وهذه قصة أخرى.

خُصصت جائزة الدولة التشجيعية لرواية الخيال العلمي.. في رأيك أين وصل الروائيون المصريون في هذا المضمار؟ وهل لهم منجز مرموق فيه؟ 

 الروائيون المصريون لم يصلوا بعد إلى هذا المضمار، وبالتالي ليس هناك منجز حقيقي لتصنيف رواية الخيال العلمي. لا أعتقد أنني سأكون مجحفًا إن قلت ذلك، خاصة وأن لدينا 4 كتاب فقط نذكرهم إن ذُكِرَ الخيال العلمي: نبيل فاروق بسلسلة "ملف المستقبل"، وهي روايات للناشئة لا يمكن الاعتداد بها أنها تمثل كتابة الخيال العلمي في مصر. ومصطفى محمود ببعض الروايات، وعلى رأسها "رجل تحت الصفر" والمكتوبة على نفس طريقة كتابته للمقالات وأداء برنامج العلم والإيمان. ونهاد شريف بمجمل أعماله، وهو الوحيد الذي اتخذ التصنيف مأخذا جادًا، ولكنه وقع في مشكلة التكرار، فكان يكرر نفسه. وأخيرًا رواية وحيدة لصبري موسى وهي "السيد من حقل السبانخ" وربما هي أحكمهم في الكتابة.

 عندما نحصل على الأفكار من فاروق، والشاعرية من محمود، والالتزام من شريف، والكتابة من موسى، متمثلين في عشرات الروائيين بعشرات المنتجات الأدبية، حينها يمكننا الحديث عن منجز مرموق في هذا المجال.

تكتب الرواية والقصة القصيرة.. ما الفوارق الجوهرية بين النوعين من وجهة نظرك وهل تفضل أحدهما على الآخر؟

  القصة حدث واحد صغير في الأغلب، شخصيات محدودة، حبكة رئيسية وحيدة، تكثيف في السرد، الكلمة توضع بحساب، وبهذا التعريف فيمكن للقصة القصيرة أن تطول حتى تصل إلى 100 صفحة أو أكثر. أما الرواية، فلا تعتمد على حبكة رئيسية وحيدة، بل حبكات فرعية تحوم حولها، ومزيد من الشخصيات، امتداد في الزمان والمكان، وحرية كبيرة في الوصف والخروج عن النص، وقد تبتلع بداخلها النصوص الأخرى، فنجد في متن الرواية قصيدة، قصة، مقال، مسرحية، فيلم. في الرواية يمكن أن يصبح هناك أجيال للشخصيات نعيش معهم جيلا بعد جيل، حتى تصل الرواية إلى مئات وآلاف الصفحات، الشيء الذي من الصعب أن يحدث في قصة قصيرة.

  أفضل كلاهما، الرواية والقصة، وإن كانت الفترة المقبلة ستشهد مزيدًا من الروايات، أو حسب الخطط المستقبلية لكتاباتي.

كما تكتب السيناريو.. ما هي خطواتك في هذا المجال؟ وهل ننتظر أن نرى قريبًا عملًا تلفزيونيًا أو سينمائيًا يحمل اسمك؟

أسعى باستمرار لذلك. ربما تحويل السيناريو إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني ليس بسهولة نشر رواية. ولكن هناك دائمًا مزيد من السعي قد يحقق الحلم في النهاية. قل يا رب.

إلى جانب الكتابة، تعزف على الناي والبيانو، في رأيك هل هناك ممرات وصلات بين الفنون المختلفة؟

أحيانًا أرى ذلك، فلطالما رأينا فنانين لديهم العديد من المواهب المتصلة ببعضها لتصب في فكرة "الفن". الموسيقى فن، والكتابة فن، وتعتمد الفنون بشكل أكبر على الخيال والتخيّل، وأظن أن الفن موهبة عامة، يختار الفنان خلال حياته إن كان يريد أن يصبح كاتبًا، أو موسيقيًا، أو رسامًا، أو مخرجًا... ولكني أزعم أنها ملكات كامنة بداخل كل كاتب، وإن لم يدرك ذلك بعد.

ما رأيك في ورش الكتابة، وهل اشتركت في ورشة أدبية من قبل؟

كلا، الكتابة علم لا يُعلم. الموهبة شرط أساسي في الكاتب، فلا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أجعل شخصًا ما كاتبًا وهو لا يملك الموهبة نفسها، الخيال نفسه، العقل اليميني التحليلي التركيبي الذي نشأ به الفنان كي يصبح مبدعًا. لا ليس أي شخص دخل ورشة كتابة بإمكانه أن يصبح كاتبًا. كما أنها لا طائل من ورائها إطلاقًا بالنسبة للكاتب الجاد. فجل ما يمكن أن يتعلمه سيجده خلال قراءاته. اقرأ، وستعرف الكتابة واللغة طريقها، واجعل لك روحًا خاصة في كتاباتك، وقم بتطويرها من تلقاء نفسك.

من الممكن فقط للكاتب أن يحتاج إلى محرر أدبي أحيانًا، ودور هذا المحرر أن يقوم بعملية عصف ذهني ليولد مزيدًا من الأفكار الجامحة التي يمكن أن تنشأ من الفكرة الأم.  أو كما تفعل الروائية نجوى بركات في محترفها "كيف تكتب رواية؟" ومن بعدها الروائي الراحل جبور الدويهي بالشراكة مع مؤسسة آفاق.

هل هناك أي عروض لترجمة كتاباتك إلى لغات أخرى؟

لا، ليس بعد، ولكني أتمنى حدوث ذلك بالطبع.

ما هو مشروعك الأدبي القادم سواء على مستوى الرواية أو القصة القصيرة؟

"دُوار العالَم" رواية فلسفية في إطار من الفانتازيا والرعب النفسي، تم إنجازها وفي انتظار نشرها. ومجموعة قصصية بعنوان "طريق مشقوق بالعرض بصورة خرافية" تم إنجاز جزء كبير منها. وحاليًا أكتب رواية واقعية اجتماعية عن خريجي دور الرعاية والأيتام.  

حصلت على منحة التفرغ من وزارة الثقافة، كيف ترى دور الدولة في دعم الآداب والفنون وما هي حدود هذا الدور؟

لمنحة التفرغ الفضل في جعلي كاتبًا أكثر التزامًا وغزير الإنتاج. لكنها تعطي للكاتب 4 سنوات فقط كحد أقصى، وكأنها تقول له "لقد اكتفينا منك"، بالإضافة إلى أن العائد الشهري - الذي يشترط أن يكون الكاتب عاطلًا عن العمل - لا يكفي حتى رجل أعزب يعيش وحيدًا في هذا العالم، فما بالك بالمتزوجين والعائلين؟ دور الدولة محدود، سواء على المستوى المادي، أو المعنوي، ومنحة التفرغ بحاجة لأن تصبح مدى الحياة، ما دام الكاتب المبدع مستمرا في الكتابة.