جلاسكو والنهاية المأساوية للعالم
تضرب الاقتصاد العالمى مجموعة من المخاطر المستجدة قصيرة الأجل، حالّةِ التأثير، يبرز من بين أهمها فى عام ٢٠٢١: تأثيرات جائحة «كورونا»، ارتفاع الدين السيادى العالمى، لكن أهم ما ظل يتربص بالاقتصاد العالمى على المديين المتوسط والطويل لسنوات مديدة هو خطر التغيرات المناخية التى ستتعدى آثارها الاقتصاد فى شكله النقدى أو المالى، لتطال القطاعات الإنتاجية الحقيقية، ليس ذلك فحسب إذ ستضرب عناصر الإنتاج الأساسية من يدٍ عاملة وأرض ورأسمال جميعها دون هوادة، لدرجة لن توقف فقط الإنتاج، بل تقضى على الإنسان ذاته الذى به ومن أجله تجرى عملية الإنتاج.
يمكن تقدير حجم الخطر الذى تشكله التغيرات المناخية على الاقتصاد العالمى فى المدى المنظور عند النظر لحسابات شركة «Swiss Reinsurance» للخسائر المباشرة للكوارث البيئية فى عام ٢٠١٨، التى بلغت حوالى ١٦٥ مليار دولار، وهو ما يعتبر رابع أعلى تكلفة للاقتصاد العالمى جراء هذه الكوارث فى عام واحد، وأعلى من المتوسط السنوى للسنوات العشر السابقة عليه، الذى بلغ ٧١ مليار دولار، وقد بلغ ذات الرقم لمجموع العامين ٢٠١٧ و٢٠١٨ ما إجماليه ٢١٩ مليار دولار، وهو أعلى تكلفة لعامين متتاليين منذ ١٩٧٠.
تشير هذه التقديرات إلى حقيقتين، أولاهما ضخامة التكلفة الاقتصادية للكوارث البيئية، وثانيتهما اتجاه هذه التكلفة إلى الارتفاع، ويؤكد ضخامة هذه التأثيرات ما كشفه تقرير منظمة «Carbon Disclosure Project» من أن حوالى ٢٠٠ من كبريات شركات العالم قدرت أن تغير المناخ يمكن أن يكلفها مجتمعة ما يقرب من تريليون دولار من الخسائر فى الخمس سنوات القادمة بداية من ٢٠١٩.
مصر ليست بعيدة عن هذه التأثيرات، حيث إن ارتفاع درجات الحرارة السابق سيؤدى إلى تسارع مستويات ذوبان الجليد القطبى الذى سيرفع مستويات سطح البحر، بما يغمر مساحات واسعة بدلتا النيل والسواحل الشمالية، بالإضافة إلى أن هذا الذوبان سيؤدى إلى فتح ثلاثة ممرات ملاحية جديدة فى القطب الشمالى لتربط مستقبلًا بين الشرق والغرب، بما قد ينعكس على إيرادات قناة السويس، كذلك سترتفع درجات الحرارة فى مصر خلال معظم أيام السنة عن ٣١ درجة مئوية بحلول عام ٢٠٥٠، ويصاحبه ارتفاع درجات حرارة المناطق الأوروبية، بما يجعلها مناسبة فى فصل الصيف لتبلغ فى ألمانيا ١٩ درجة فى المتوسط، وفرنسا ٢١ درجة، وهو ما سيجعل هؤلاء السياح يفضلون البقاء فى أوروبا على القدوم إلى مصر.
لذلك وقف الرئيس فى مطلع الأسبوع الحالى فى جلاسكو ضمن فعاليات افتتاح قمة المناخ، مخاطبًا العالم من مركز صاحب الحق، الذى تطال بلاده وقارته العواقب دون الفوائد، فرغم أن التأثيرات الضارة للتغيرات المناخية تنبع من الدول المتقدمة، بعد حرق النفط والغاز فى الأنشطة الصناعية والتجارية، ولا يستفيد بآثارها إلا سكان هذه الدول- تتركز التأثيرات السلبية بشكل أكبر على الدول النامية، ولن يُحرق بنارها إلا سُكانها، بعد أن تتضرر أنشطتها الإنتاجية بارتفاع درجة الحرارة، خصوصًا الزراعة التى تتمحور حولها اقتصادات هذه الدول.
وفى ظل هذه المعادلة كانت الدول الغربية- مصدر التلوث والمستفيدة الأكبر منه- قد تعهدت بدفع مساهمات تنموية لتسريع عجلة النمو الاقتصادى، بهدف زيادة إمكانية هذه الدول فى التحول لاقتصادات خضراء، لا تمر بذات المراحل التى مرت بها الدول المتقدمة، وإلا فستزيد وتيرة التلوث بقدر التلوث الذى شهده العالم خلال الـ٢٠٠ عام الماضية، ما يأخذنا لضياع مستهدفات اتفاقية باريس وسيناريوهات المناخ التى افترضتها.
لكن ولشدة الأسف، فإن الدول المتقدمة لا تلتزم بدفع هذه المخصصات التنموية، وإذا دفعت فإنها تخصص لأغراض سياسية فى الواقع أبعد للغاية عما قصد بها، ولذلك فإنه فى حال لم تنجح جلاسكو فى تغيير هذه السياسات فإننا سنتجه بسرعة رهيبة لنهاية العالم فى ظل تراجع الإنفاق التنموى من الدول الفقيرة، وزيادة الحاجات للنمو الاقتصادى للدول النامية والفقيرة، ما سيدفعها دفعًا لتبنى السياسات القديمة الملوثة للبيئة التى دفعتنا إلى أزمتنا هذه.