ينتهى الغلاء عندما تتحجب النساء
هكذا يظن ويروج البعض! فهم نعم يكرهون الغلاء ولكنهم أيضاً يكرهون النساء مهما ادعوا عكس ذلك، وبالطبع لا أحد منا يحب الفقر، أو يهيم به أو فيه عشقاً أو ولهاً، ولا يعشق البعض أيضاً النساء وإن ادعوا أو أظهروا العكس.. كراهية الفقر والغلاء جعلت البعض يسقطون سخطهم على النساء ويحملونهن أوزار الدهر وبناته ويرتضون لهن ذلك!
فَلَو كان الفقر رجلا لقتله على.. ولو كان الظلم أيضاً رجلا لقتله على ولو كانت النساء في زمن غير هذا الزمان لما وجدن كل هذا الغبن المجتمعي الذي يسلعهن تارة ويعافهن تارة ويشيطنهن تارة أخرى!
لسنا سعداء بالفقر والغلاء ولسنا سعداء أيضاً بتحميل النساء أوزار لم يفعلنها، كما لا يسعدنا حتما استفزاز الفقراء أو السخرية من أوضاعهم البائسة، ولكن ماذا فعل هؤلاء المطحونين في أنفسهم وفي نساء البلاد وفينا؟
لقد أنجب البعض فوق ما تحتمله أرضهم ومدخراتهم ومدخرات بلادهم وادعوا أن الإنجاب مسئولية المرأة وحدها! ولا تحدثوني عن الثروات الطبيعية وتعمير الصحاري وكسر حيّز المدينة وبناء المشروعات لتوفير فرص عمل للشباب والطاقات المعطلة، فهذا ما تفعله الدولة وتبني ليل نهار مدناً ومساكن جديدة ومشاريع وخلافه لم تستطع- حتى الآن- وفي ظني لن تستطيع استيعاب الزيادة الرهيبة في أعداد المواليد.
ولقد تربى المصريون ومنذ الأزل على ثقافة الشكوى والاتكال على الغير وإلقاء اللوم عليه، كما الاتكال على الدولة والتواكل على الله والأمل في الغد المشرق دون أي ابتكار ودون بذل الجهد الكافي أو حساب المعطيات والمقدمات الصحيحة لتظهر لهم النتائج الصحيحة التي تمنوها.
المصري يعشق الثرثرة وجلسات المقاهي والتذمر من الحال والسخرية على المحال "التنكيت والتبكيت" هو أسلوبه المحبب في الحياة الى جانب الشكوى والولولة والعديد والتي يجيدها.. بل هو الأفضل من غيره فيها وبلا منازع ويتفوق على النساء في ذلك أحياناً!
المصري لا يغادر مكانه إلا مضطراً.. لا يغامر إلا وهو مغلوب على أمره.. يؤثر السلامة ويخشى المخاطر ويعتبر المغامرة مقامرة.
وقد يكون صحيحا فكره في العموم وفي حال غير هذا الحال، لكن أن يتجمد فكرة ولا يتغير مع تغير الظروف والمعطيات فهذا أمر عجيب وليس من الكياسة ولا من حسن الفطن
يداوم المصري على التذمر ويستمرئه كمنهاج حياة.. ولا يكف في نفس الوقت عن إنجاب الأنفس لتلك الحياة الصعبة.. ينجبهم علهم يكونوا منقذيه فيدفع بهم وبنفسه للهلاك مرتكباً جريمتين .. إنجابهم دون تخطيط ثم تركهم لمصير مجهول.
وتلك الظروف البائسة هو من وضع نفسه فيها بنفسه ولم يكن مجبرًا، بل كان متواكلاً آملاً- دون أي معطيات أو مقدمات منطقية- على أن يتغير الحال بعبارة أدق كان يطلب وينتظر معجزة ولقد انتهى وهم المعجزات منذ أمد بعيد!! لقد كان وما زال غافلا ولم يكن بالمتوكل- كما يعتقد ويظن- و كما يصدر للآخرين حكمته في التوكل على الله بل وكما أقنعه رجال الدين بحديثهم عن التناسل كي يتباهى بِهم العالم! فصار العالم قاسياً على الجميع ووقعنا جميعاً في أزمات كنّا في غنى عنها إن أعملنا العقل ونبذنا التواكل ونجونا ببلادنا وأنفسنا لرحاب العلمانية الرحبة التي يحكمها ويسودها القانون لا الثيروقراطية التي أخضعت وأضلت الجموع الغفيرة لسنين طوال بثرثرات ولغو غير رشيد.
فكما تعتبر يا عزيزي الغلاء جريمة في حقك فلتعتبر الإنجاب أيضاً جريمة في حقك وحق من تنجب وحق المجتمع والدولة والنساء اللاتي تحملهن دوماً ذنوب أهل مدين!
فإن أنجبت ما يزيد على طفل واحد تحمل بنفسك تبعات إنجاب الثاني والثالث وأنجب كما شئت، لكن لا تحمل غيرك مسئولية ما فعلته بنفسك وبمن أنجبت.
لا تتذرع بهم ولا تبتز غيرك فما يؤخذ بسيف الحياء حرام .. أم نسي من منحوك العظاة والفتاوى أن يذكروك بذلك!! لا تتساءل من أين تطعمهم بعد أن أنجبتهم ولا تطالبنا بإطعامهم وإن سألتنا ومن أنتم؟
هل أنتم من تطعموننا كي تلوموننا؟ نعم نحن من نطعمكم في الدنيا.. فمن لم ينجب مثل ما أنجبت أنت يتحمل هو عبء أنجابك!!
فمن ينجب أكثر يستغل مساحة أكبر من الأرض ويستهلك خيراتها ويأخد مكان أكبر في مدارسها ومستشفياتها وكل خدماتها ومرافقها ومتنزهاتها فلماذا تظن وترى أنك الأحق وأن لك كل ذلك وأنه من العدل أن تأخذ مكان غيرك وكان الأجدر بك والأحق ترك كل ذلك لغيرك!
لقد جرت على غيرك فجار عليك الدهر فلا تتذمر ولا تشتكي الغلاء نار تحرق والإنكار نار لن تبرر لك ما اخترته لنفسك ومن حولك ولن يشفق أو يرفق لحالك أحد.
لا تحمل الغير ما لا يستطيعون تحمله.. أنت ومن أنجبتهم أصبحتم عبئا على الجميع وتطالبون بالمزيد!! تطالبون الآخر بحل مشاكلكم وأنتم المشكلة.. و يتذمر الآخر منكم الآن .. وصار ناقماً هو أيضاً عليكم
والكل يلوم الكل ويراه مذنبا.
المطحون ينظر لمن هو أفضل حالاً منه ويراه ميسورًا، لكنه لا يتساءل إن كان ذلك الميسور
قد أنجب مثل ما أنجب هو أم لا؟
الميسور هو من يسر الأمور على نفسه واكتفى بإنجاب طفل واحد أو قرر عدم الإنجاب
ولو كان من أنجب ثلاثة أو أكثر قد اقتصد في أنجابه لكان حاله من حال ذلك الميسور وربما أفضل منه حالاً.
من يريد اليسر لنفسه ولمن أنجب
لماذا اختار العسر لنفسه ولمن أنجب؟! بل وللناس جميعاً!
تذمر الآن ما شئت فلن يسمعك أحد.. الكل يعاني الآن والبقاء للأكثر رشداً ولمن يعقل
أنه الانتخاب الطبيعي يا عزيزي شاء من شاء وأبى من أبى.
قدر قاس ينتظر الجميع
قانون الطبيعة سيسود
البقاء لمن سيختار الأخير.. البقاء لمن سيفكر ويعمل ويحسب حساباته لا من ينتظر المعجزات
ويبتز من حوله.
لقد تساوت الرءوس و الكل يعاني وكل له الْيَوْمَ شأن يعنيه.
ولن يعنيه الغير بعد الْيَوْمَ ولن يفكر إلا في نفسه.
وضع قاس وموجع لا يتمناه أحد لكنه واقع.
لا يغفله إلا غافل ينكر أنه المتسبب في تلك الأزمات لنفسه ولغيره بتنطع صار واضحاً للجميع.
فقبل أن تلوم وتتذمر ألست مسئولا عما حدث؟ ويتحمل الجميع الآن عبء غيره وعدم صوابية قراراته.. لا تقل لي إن الانفجار السكاني ليس خطيئة.. إنه جريمة مكتملة الأركان مورست في حق الجميع.. ولا تظن دوماً أن مع العسر يسراً.
فالعسر عسر وسيظل عسراً ولن تطالوا اليسر بعد أن اضطررنا جميعا للعسر وطال العسر الجميع حتى من لا ذنب له وكأنه عقاب جماعي شمل المظلوم ومن ظلم نفسه بنفسه فظلم الناس جميعا وظلم معه نساء البلاد.. فهن دوماً الذريعة وحائط الصد والحيط المائل الذي يلقى باللوم عليه دوماً ويتلقى كل الطعنات والمطالبات بتنحيه جانباً وإخفائه أو احتجابه أما بالحجب أو بالحجاب الذي يراه هؤلاء حلاً لكل أزماتهم، بما فيها أزمة الغلاء! فان احتجبت أو تحجبت النساء ستنتهي كل الويلات وسينتهي الغلاء!