فرصة القرن للقطن وصناعة الملابس المصرية
فى عام ٢٠٠٩ أطلقت مبادرة Better Cotton أو «قطن أفضل»، التى تضم عددًا من أهم مستوردى ومصنعى الملابس فى كل أنحاء العالم- ومن بينهم نايكى أديدس وحتى أمازون- بهدف تحسين بيئة زراعة القطن وجعلها أكثر استدامة، وإنسانية، حيث يجرى فى بعض البلدان توظيف أعداد كبيرة من البشر فى زراعة هذا المحصول الحيوى للعالم، فى أوضاع أقل ما يقال عنها إنها غير مناسبة، حتى إن البعض يصفها بغير الإنسانية، وهو ذات الموضوع الذى أثار نزاعًا بين هذه المبادرة والصين مؤخرًا.
حيث أدانت المبادرة بعدد كبير من أعضائها منذ نحو عام تقريبًا ما ادعت أنه ممارسات صينية تنتهك حقوق الإنسان للمواطنين الصينيين من إثنية الإيجور فى مقاطعة شينجيانج، التى تعد كبرى المقاطعات إنتاجًا للقطن فى الصين، وهو ما دفع بالحكومة الصينية لعقاب أعضاء المبادرة العاملين على أراضيها، والمستوردين للقطن والملابس المصنعة منها، حتى أخفق معظم أعضاء المبادرة خلال العام الماضى فى تحقيق أهدافهم الإنتاجية، وانخفضت إيرادات بعضهم لنسب بلغت ٤٠٪ من التدفقات الواردة من الصين، ما دفع بالمبادرة وأعضائها إلى حذف بيانات الإدانة التى وجهت للصين من مواقعها الإلكترونية، بل وانسحبت بعض الشركات من المبادرة ذاتها.
وتحوز الصين على هذه القوة فى سوق القطن، كونها أكبر منتجى العالم بنحو ٥٫٩ مليون طن، وفى ذات الوقت أكبر المستهلكين بما إجماليه ٧٫٩ مليون طن، توظفها فى صناعة الملابس بما يضعها على رأس مصدريها العالميين بما يزيد على ٢٠٠ مليار دولار فى العام، ما يعطيها إمكانات غير محدودة لمعاقبة من تشاء بالكيفية والوقت الذى تشاء، وهو أمر تقف أمامه هذه الشركات عاجزة عن الدفاع عن نفسها إلا بأسلوب واحد، وهو تنويع سلاسل إمداد القطن والملابس، بإخراج نسب من وارداتها خارج الصين.
سيشكل هذا الاتجاه فرصة للاقتصاد المصرى لاستعادة قدرته الإنتاجية والتصديرية من القطن والملابس الجاهزة، حيث تأتى مصر على رأس الدول المؤهلة لدخول سلاسل الإمداد الجديدة للاتحاد الأوروبى وأمريكا، بسبب القرب الجغرافى أولًا، وثانيًا اتفاقية التجارة الحرة التى تربط مصر مع دول الاتحاد، واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة التى تربط مصر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهما من أكبر المستوردين للملابس فى العالم.
يضاف إلى العاملين السابقين عاملون فى غاية الأهمية، أولهما هامش القدرات الإنتاجية المصرى غير الموظف حاليًا، حيث انخفضت القدرة الإنتاجية المصرية للقطن من أوجها فى عام ١٩٩٧ عند مستوى ٣٩٧ ألف طن، إلى ٥٧ ألف طن فقط فى ٢٠٢٠، تحت ضغوط التوسع البرازيلى والهندى فى الزراعة والدعم الحكومى من الدولتين للمنتج، بما يؤدى إلى انخفاض ثمنه بالمقارنة مع القطن المصرى، وبالتالى انخفاض الطلب عليه. لذلك انخفضت الصادرات المصرية منه إلى ٥٣ ألف طن فقط فى ٢٠٢٠، بعدما كانت قد وصلت إلى ١٥٨ ألف طن فى ٢٠٠٤، وذلك على إثر انخفاض المساحة المزروعة من ٧٣٦ ألف فدان فى ١٩٩٤، إلى ١٨٠ ألفًا فى ٢٠٢٠، الأمر الذى سيمكن هذه الشركات من الحصول على كميات مناسبة من أفضل الأقطان العالمية على أعتاب مستهلكيها، بقيمة شحن أقل وفى وقت أسرع.
ناهيك عن العامل الثانى المتمثل فى كون الصين تبحث أساسًا عن وجهات لنقل مصانع ملابسها إليها، وذلك لتخفيف الضغط على ميزان المدفوعات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيز هذه البضائع صينية المنشأ التى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية على صناعات مرتفعة المكون التكنولوجى، على أن تخرج المنتجات منخفضة التكنولوجيا من دول نامية مثل مصر.
وأخيرًا فإن الحكومة المصرية لديها برنامج طموح للغاية بتكلفة ٢٠ مليار جنيه، لإعادة صناعة الملابس إلى قوتها فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، وذلك بتطوير الهياكل الإدارية للشركات العامة، وتطوير مصانعها بجلب أحدث آلات الغزل والنسيج فى العالم، بما يوطن من جديد جميع عمليات صناعة المنتج داخل مصر.
لا يتبقى إذن سوى «حياكة» هذه العوامل الخمسة مع بعضها البعض لوضع «ثوب» جديد على جسد زراعة القطن وصناعتى النسيج والملابس المصريتين.
مدرس الاقتصاد بكلية النقل الدولى واللوجستيات
الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى