أماني فؤاد: فوزي فهمي إنسان ومفكِّر عظيم
قالت الناقدة الدكتورة أماني فؤاد عن الدكتور فوزي فهمي الذي رحل عن عالمنا صباح أمس عن عمر ناهز 83: «لم يكن عمري يتجاوز الرابعة عشر، لكن ذَكَرَ أبي كُتَّابه المفضلين في جريدة الأهرام، وكان من ضمن الأسماء التي اقترح القراءة لها د. فوزي فهمي، وكان للأستاذ الكبير مقال رأي أسبوعي في الجريدة، حين بدأت القراءة كنت أجده يلخِّص إحدى الأعمال الأدبية الكبرى المترجمة عن اللغات العالمية، سواء في المسرح أو الرواية أو القصة، ويقوم بعرضها بطريقة مشوِّقة فتروقني الحكايات، ثم يقوم باستخلاص فكرة النَّص الأساسية في أبهى وأوضح صورها، ويربط هذا المضمون والأفكار - التي التقطها بسلاسة ويُسْر - بالشأن العام لمصر والعرب، يفسر ظواهر في مجتمعاتنا وثقافتنا العربية الإسلامية، يستكشف كهوف الإنسان من الطبقات المختلفة، ومواقعه في الحياة، وأغواره النفسية، يصنع حالة جدل حيوية مع الأفكار التي استقاها من الأنواع الأدبية العالمية، ويقارن بين ثقافتهم ورؤاهم والأوضاع في إقليمنا».
وأضافت في تصريحات لــ«الدستور»: «حين كبرت واستمرَّت قراءاتي المنتظِمة له؛ أدركت الوعي العميق، والجهد الذي يقوم به الكاتب العظيم، يترجم أحيانا بنفسه النصوص العالمية، أو يقرأ ما ترجمه الآخَرون، ويستخلص الأفكار العظيمة التي تعالج قضايا الإنسان بصفة عامة، الإنسان المُطلَق الذي يعيش في أية جغرافيا، مهما اختلفت جنسيته وحدوده وثقافته ودينه، يعرضها في نظرة متسِعة للقضايا الوجودية التي تشغل البشر، لم يكتفِ بهذا؛ بل الأهم: جَدْل هذه الأفكار بقضايا بيئتنا ومجتمعنا المصري والعربي، يعرض الأفكار القيِّمة الحداثية، التي توصَّل لها الغرب، وعمق فهمهم للسلوك الإنساني بعد اجتياز مراحل من حضارتهم، وتقريبها وتقديمها لقرَّاء العربية في كبسولات مشوِّقة، كأنه يبلور الأفكار، ويهَبَها للآخَرين؛ لإيجاد رؤية مختلفة ومتسعة، أو لفتْح مجال لأفكار عميقة وجديدة، قد نستطيع الاستعانة بها في معالجة قضايانا، والعبور لآفاق حضارية أكثر اتساعا».
وشددت دكتورة أماني فؤاد علي أنها تعلَّمتُ الكثير منه، وعرفت أن العيون - التي ترى الوجود - شديدة الاتساع، ومتعددة الألوان والمشارب، وأن بعضها يمكن أن يقدم فائدة حقيقية في التطور البشري ومجتمعاته كافة، وحين عملت بأكاديمية الفنون، كنت أدرِّس الأدب العربي واللغة لأقسام المعهد العالي للمسرح، مضيفة: «في إحدى المحاضرات، قال لي بعض الطلبة أن محاضرات أ.د. فوزي فهمي هي التي تفتح آفاقهم الذهنية للمستويات الأعمق والأكثر غِنًى على الفن والوجود والحياة بصفة عامة، وأنهم معه عرفوا معنى الأستاذية الحقيقية، كانوا شديدي الحرص على هذه النافذة التي تنير أعينهم وأرواحهم، وتجعلهم يفهمون ذواتهم والحياة، ولم أكن قد التقيته من قبل، وفي إحدى الصباحات وجدته يدخل إحدى القاعات التي أجتمع فيها وطلابي، ويصافحني بودٍّ خالص، ويقول: إن الطلاب تحدثوا معه كثيرًا عما أقوم بتدريسه، وبعض الأفكار والأنشطة التي نقوم بها معًا، كما أنه يتابع كل مقالاتي التي يرسلها له الفنان التشكيلي الكبير د. محمد عزب، وإذ به يقول: إنه قبل أن يراني عرف ملامحي والشبه الذي يجمعنا، وأنه فخور بكل ما أكتب وأدرس، فأسرعت أحكي له تلمذتي على مقالاته وأفكاره، وأنه من ساهم بعمق في تشكيل كياناتنا، حين كنا لم نزل نتعرف العالَم، وأنني أنا الممتنة لكل فكرة وحرف قرأتهم من عطاءاته».
واختتمت: «على مستوى آخَر يعرف الجميع أن د. فوزي فهمي إدارى على مستوى رفيع ومقتدر، يمتلك الرؤى لتطوير المؤسسات الثقافية، وتنفيذها على أرض الواقع، واختيار الكفاءات الأصلح لكل موقع، فهو من أرسى لأكاديمية الفنون وجودها الثقافي الفعال، كما أنه الذي أشرف طويلا على مهرجان المسرح التجريبي وترجمة النصوص والأعمال الفنية إلى العربية. هذا فضلا عن مساهماته في معظم اللجان المتعلقة بالشأن الثقافي. سيظل كل من عرف د. فوزي فهمي، وتعلم منه، وتعامل معه؛ يدرك أن حياته أشرقت بشمس إنسان عظيم، وأن لفرادة العطاء معاني تقاوم الرحيل على قسوته».